19 أبريل,2024

قاعدة إتباع عموم اللفظ

اطبع المقالة اطبع المقالة

وهي القاعدة التي يعبر عنها المفسرون حسب اصطلاحهم بقاعدة(المورد لا يخصص الوارد)، و(العبرة بعموم اللفظ لا بخصوصية المورد).
وهي تعني أن النص القرآني لا يتقيد بحدود الزمان والمكان، ولا بأسباب النـزول، انطلاقاً من الاتفاق على عمومية القرآن الكريم للبشرية جمعاء، وضرورة تجاوز خصوصية الظرف الذي نزل فيه زماناً، أو مكاناً، أو شخصاً، أو حَدَثاً معيناً، إنما اللازم هو ملاحظة دلالة النص ومدى شموله، واستيعابه بما هو أوسع من ظرف نزوله الخاص.

هذا والظاهر أن هذه القاعدة من القواعد المسلمة التي لا تحتاج إلى إقامة برهان أو دليل عليها، لكننا ننقل حديثاً وارداً عن الإمام رئيس المذهب أبي عبد الله الصادق(ع)، يصلح شاهداً على المقام، قال(ع): ولو أن الآية إذا نزلت في قوم ثم مات أولئك ماتت الآية، ما بقي من القرآن شيء، ولكن القرآن يجري أوله على آخره ما دامت السماوات والأرض.

ثم إنه لكي يتضح المعنى المراد من القاعدة، لا بأس بالإشارة إلى بعض الأمثلة القرآنية:
منها: قوله تعالى:- ( ويل لكل همزة لمزة)فقد ذكر المفسرون أنها نزلت في العاص بن وائل والوليد بن المغيرة، كما يذكرون أشخاصاً آخرين في قصة نزولها.

إلا أن نزول الآية الشريفة في أولئك الأشخاص لا يستدعي تضيـيق مفهومها، ولا يعدم دلالتها العامة على حرمة الهمز واللمز، ونهي الإسلام عنه في كل زمان ومكان، وهذا هو معنى أن: العبرة بعموم باللفظ، والمورد لا يخصص الوارد.
فطالما كان النص عاماً:- (ويل لكل همزة لمزة) فيجب أن يكون الحكم المستفاد منه عاماً أيضاً، بالرغم من خصوصيات مورد النـزول وأسبابه.

ومنها: قوله تعالى:- ( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر) فقد ذكر المفسرون أنها نزلت في اليهود، وقيل أنها نزلت في جماعة من الأنصار، وقيل نزلت في جماعة من أهل مكة، وغير ذلك.
إلا أن كل هذه الفروض لا تغير من عمومية دلالة هذه الآيات على انتقاد القرآن الكريم لظاهرة التكاثر الدنيوي بعيداً عن هموم الدين، وعالم الآخرة، فهي ظاهرة مرفوضة في القرآن الكريم من أي قوم صدرت، وفي أي زمان، وفي أي مكان.

تنبـيه:
هذا ومما ينبغي الإلتفات إليه وعدم الغفلة عنه، ونحن نـتحدث عن قاعدة إلغاء خصوصية الزمان والمكان، ومورد النـزول، أن هذا الإلغاء لخصوصية ما ذكرنا، لا يعني أن الآيات القرآنية كلها مطلقة وعامة، نطبقها حيث نشاء بعيداً عن الموضوع الذي حددته، والحدود التي وضعتها.

إنما المقصود هو الدعوة لمراقبة النص القرآني، فإن كان عاماً أخذنا بعمومه بقطع النظر عن مورد النـزول وسببه، وإن كان مطلقاً أخذنا بإطلاقه دون تقيـيد بمورد النـزول وسببه، أما إذا كان النص في ذاته خاصاً بعنوان معين، ومقيدٍ بقيدٍ خاص، فإنه لا يجوز أن نـتجاوز تلك الخصوصية، ولنشر لبعض الأمثلة:

منها: قوله تعالى:- (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)، حيث أن أكثر المفسرين، على أنها نزلت في أمير المؤمنين(ع)، مما يعني ثبوت الولاية له بعد الله سبحانه، وبعد الرسول الأكرم محمد(ص)، وقد يقال عندها بإمكانية التعدي من المكان والزمان والمورد، لتدل الآية على ثبوت الولاية لكل من كان مؤمناً ومصلياً ومؤتياً للزكاة.
لكن لا يخفى عدم تمامية ذلك، لأن الآية الشريفة بصدد عنوان معين، ومقيد بقيد خاص، بحيث لا يجوز تجاوز تلك الخصوصية.
ومنها: آية التطهير، حيث أن النكتة فيها هي عين النكتة في آية الولاية التي أشرنا إليها.

ومنها: قوله تعالى:- (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً)، فإننا لا نستطيع أن نلغي شرطية الاستطاعة الذي نصت عليه الآية الشريفة.
والحاصل، إن الذي أردنا قوله، هو أنه لابد من مراقبة النص ذاته، وملاحظة مدى عموميته، أو خصوصيته، وذلك هو معنى قول المفسرين: (العبرة بعموم اللفظ).

والنـتيجة أننا حين نريد أن نفسر آية ونستخرج منها حكماً، أو فكرة، فإن اللازم هو متابعة اللفظ في سعته، أو ضيقه واختصاصه، بعيداً عن الخصوصيات الوقتية المحيطة به.
والحقيقة أن هذه القاعدة تستمد قانونيتها وشرعيتها من القاعدة الأولى، التي سبق وتحدثنا عنها، وهي قاعدة (اعتماد الظهور القرآني) وذلك لأن عموم اللفظ سوف يشكل ظهوراً للكلام في المعنى العام بعيداً عن الخصوصيات التي أحاطت بظرف النص.