28 مارس,2024

صلاة المسافر-1

اطبع المقالة اطبع المقالة

القسم الأول

مدخل:

نحتاج في البداية إلى طرح مقدمتين،تشتملان على بيان معنى القصر والتمام،وبيان معنى الوطن وأقسامه.

وقبل ذلك لابد من الالتفات إلى أن هناك عنوانين يستخدمان في كتابي الصلاة والصوم يترتب عليهما مجموعة من الأحكام:

الأول:هو عنوان الحاضر:ونعني به كل شخص كان موجوداً في بلده،أو كان مستقراً في منطقة لمدة عشرة أيام،أو بقي في منطقة ثلاثين يوماً متردداً بين البقاء والعودة إلى بلده.

الثاني:المسافر:ونعني به كل من خرج عن بلده إلى بلد آخر،لا يعده العرف مكاناً سكنياً له.

بعد هذا لنشرع في بيان المقدمتين:

المقدمة الأولى:معنى القصر والتمام:

وضع الله على المكلف خمس صلوات في اليوم والليلة،يبلغ عدد ركعاتها سبع عشرة ركعة،وذلك لكل من لم ينطبق عليه عنوان المسافر ،أو قل لكل من انطبق عليه عنوان الحاضر،بأن كان في وطنه،أو كان مقيماً في بلد عشرة أيام فأكثر،أو كان قد مضى عليه في منطقة ثلاثين يوماً متردداً.

فهذا الحاضر تجب عليه الصلاة الكاملة،وتسمى في المصطلح الفقهي بالصلاة التامة،أو الصلاة تماماً.

فيجب عليه أن يوقع الصلاة الرباعية أربع ركعات بدون أن ينقص فيها شيئاً من ركعاتها.

أما إذا انطبق عليه عنوان المسافر،فيتغير الحكم فيجب عليه أن يسقط بعض الركعات من بعض الفرائض،فيكون الواجب عليه هو إحدى عشر ركعة بعد ما كان الواجب عليه سبعة عشرة ركعة،لأنه سوف يسقط ركعتين من كل صلاة رباعية،فستصبح صلاة الظهر وصلاة العصر وكذا صلاة العشاء عبارة عن ركعتين بعدما كانت كل واحدة منهن أربع ركعات.

وتسمى صلاة المسافر بصلاة القصر،ومعنى القصر هو ترك جزء من الشيء،كما يقال ذلك في قصر الثوب والشعر،بمعنى أخذ شيء منه.

س:هل يقتصر أثر السفر على سقوط ركعتين من كل صلاة رباعية فقط؟…

ج:لا يقتصر أثر السفر على خصوص قصر صلاة الفريضة،بل يؤثر أيضاً في النوافل المترتبة على هذه الفرائض،فتسقط النوافل النهارية،أعني نافلة الظهر والعصر،أما نافلة المغرب وصلاة الليل ونافلة الفجر فإنها لا تسقط،وأما نافلة العشاء فتسقط،لكن يمكن الإتيان بها بعنوان رجاء المطلوبية.

ويظهر أثر السفر في مورد آخر وهو الصوم فالمسافر عليه أن يفطر ولو صام كان صيامه باطلاً كما هو مفصل في كتاب الصوم.

المقدمة الثانية:في معنى الوطن وأقسامه:

عرفنا أن الحاضر تكليفه الصلاة تماماً،والمسافر تكليفه الصلاة قصراً،لكننا نحتاج أن نعرف متى يقال للإنسان أنه في الوطن حتى يقال بأنه حاضر،ومتى يقال له أنه ليس في وطنه ليقال له أنه مسافر فنقول:

كل من كان متواجداً في الوطن يقال له حاضر،وتكليفه أن يصلي تماماً،فإذا خرج عن وطنه إلى مكان آخر لم ينو فيه الإقامة،ولم يتردد فيه ثلاثين يوماً،كان مسافراً فحكمه القصر في الصلاة وترك الصوم.

وأما الوطن فهو عبارة عن المكان الذي يسكنه الإنسان ويستقر فيه،وله عدة أقسام نوضحها:

1-الوطن الأصلي:وهو البلد الذي ينسب إليه المكلف عرفاً لكونه مسكن أبويه وعائلته.

س:هل يشترط في الوطن الأصلي أن يكون الإنسان قد ولد ونشأ فيه؟…

ج:لا يشترط في الوطن الأصلي أن يكون الإنسان قد ولد ونشأ فيه،بل يكفي أن يكون موطناً لآبائه وأجداده،ولم يعرضوا عنه،بمعنى أنه لا زال يعد وطناً لهم إلى الآن.

ومتى كان الأمر كذلك صار هذا الوطن وطناً له أيضاً،حتى لو لم يذهب إليه أبداً مع أبويه،لكنه كان ناوياً على التردد إليه والسكنى فيه يوماً ما.

2-الوطن الدائم:وهو البلد الذي يتخذه المكلف مقراً دائماً له،كالقطيفي الذي يتخذ الرياض وطناً دائماً له.

ولا يشرع المكلف في ترتيب أحكام الوطن عليه إلا إذا اعتبر عند العرف أن هذا المكان وطن له،ومن الواضح أن هذا الأمر يختلف باختلاف طبيعة سكنه وملابساته،إذ قد يحتاج إلى مدة من الزمن حتى يتحقق مفهوم التوطن العرفي في حالته،وقد يتحقق من اليوم الأول.

س:إذا شك الإنسان في صدق التوطن عليه في الوطن الدائم فما هي وظيفته؟…

ج:في حالة الشك في تحقق عنوان الوطن الدائم عليه من عدمه عليه أن يبقى على حالته السابقة وهي السفر فيصلي قصراً،حتى يثبت كونه مستوطناً،ويصدق على المكان أنه وطن دائم له.

3-الوطن المؤقت:وهو البلد الذي يتخذه المكلف مقراً ومسكناً مؤقتاً له مدة طويلة نسبياً،بنحو لا يعتبر تواجده فيه سفراً،كطلبة العلم الذين يسافرون من القطيف مثلاً ويتخذون من قم وطناً مؤقتاً لهم يبقون فيه مدة خمس سنوات مثلاً،أو طلاب الجامعة الذين يقيمون في الأحساء ويبقون فيها مدة دراستهم،وكذا طلاب الجامعة الذين يتخذون من الرياض مكاناً لسكناهم لكونهم يدرسون هناك،ومثل ذلك الموظفون الذين يتخذون من الرياض دار سكنى لهم مدة مؤقتة،حتى يتحصلون على النقل ويعودون إلى بلدهم وهكذا.

س:متى يصدق على الإنسان أن هذا المكان وطن مؤقت له؟…

ج:إن ذلك يختلف باختلاف الظروف،والمدة تتراوح تقريباً بين الثلاث سنين والأربع،وقد تكون أقل أو أزيد،وعلى أي حال فالمدار في صدق ذلك عليه بالرجوع إلى العرف،فمتى قال العرف عنه أنه لا يقال له مسافر في هذا المكان حكم عليه حينئذٍ بكونه وطناً مؤقتاً له.

ثم إن حكم الأشخاص الذين ينطبق عليهم في مكان أنه وطن مؤقت لهم أن يصلوا تماماً،ومتى سافروا منه وعادوا إليه لم يكونوا بحاجة إلى إقامة،بل بمجرد وصولهم إليه يجب عليهم الصلاة تماماً،كما يجب عليهم الصيام فيه.

وبكلمة مختصرة،ينطبق عليهم فيه كل ما ينطبق عليهم في وطنهم الأصلي،أو في وطنهم الدائم.

4-الوطن الموضعي:وهو وطن كل من ليس له وطن،فهو قد أعرض عن موطنه الأصلي،ولم يتخذ له بلداً مقراً دائماً أو مؤقتاً،وكان مضطراً بحكم طبيعة ظروفه على أن يتنقل بين آونة وأخرى من مكان إلى مكان،مثل سكان البوادي الذين يرحلون طلباً للماء والمرعى،وكالموظف الذي يضطره عمله إلى تغيير سكنه بين فترة وأخرى من دون أن يعرف المدة التي سوف يقضيها في موضع سكنه.

فمثل هذا يعتبر منـزله وطناً له مدة استقراره فيه،سواء طالت مدة بقائه أم قصرت،سواء كان في برية أم في بلد عامر.

س:هل يمكن أن يكون للمكلف أكثر من وطن واحد؟…

ج:نعم يمكن أن يكون للمكلف أكثر من وطن،فمن كان له وطن أصلي كمدينة القطيف،يحق له أن يتخذ الرياض،أو الأحساء وطناً دائماً له،كما يمكنه أن يجعل من مدينة الجبيل وطناً دائماً له أيضاً فيصلي فيه تماماً متى ما ذهب إلى ذلك الوطن الدائم،ويمكنه أن يتخذ وطناً رابعاً بعنوان الوطن المؤقت،وهكذا.

س:هل أن جواز تعدد الوطن يجري في جميع الأقسام الأربعة السابقة للوطن؟…

ج:إن جواز ذلك يجري في خصوص الأقسام الثلاثة الأولى،فلا يجري في القسم الرابع،لأن صيرورة المنـزل وطناً له مشروطة بأن لا يكون عنده وطن دائم ولا مؤقت،كما أنها مشروطة بإعراضه عن وطنه الأصلي إن كان له وطن أصلي.

حكم الزوجة:

س:بعض النساء تتبع زوجها في سفره وتركه إلى وطنه،فتخرج معه للمكان الذي يستقر فيه،فما هي وظيفتها الفعلية حينما تكون معه في وطنه الدائم،أو المؤقت أو الموضعي؟…

ج:إن الزوجة وإن وجب عليها مساكنة الزوج،لكن لا يصبح وطنه وطناً لها إلا إذا قصدت التوطن معه بقصدٍ شخصي مستقل،ويحصل هذا القصد منها عادة في المكان الذي يستقر فيه الزوج وتعيش فيه،أما لو لم يتحقق منها القصد،فوظيفتها القصر حينئذٍ.

س:إننا لا يمكننا أن نتصور عدم حصول القصد من الزوجة للتوطن مع زوجها،فلا معنى للنص على هذا الأمر؟…

ج:قد يحصل في بعض الفروض عدم تحقق القصد من الزوجة،فمثلاً إذا لم تقصد الزوجة التوطن في موطن زوجها الأصلي،فلا يحق لها أن تصلي فيها تماماً بل وظيفتها الصلاة فيه قصراً.

بل يمكننا أن نصور ذلك أيضاً في الوطن المؤقت للزوج الذي لا تتواجد فيه الزوجة،لكنها قد تذهب أحياناً لزيارة زوجها فيه فإن عليها أن تصلي قصراً،مع أن زوجها يصلي فيه تماماً.

الإعراض عن الوطن:

ينـتفي حكم الوطن عن المكلف،فلا يحق له أن يرتب عليه الأحكام المتعلقة به من الإتمام في الصلاة والصيام وما شابه ذلك،بتحقق الإعراض وهو يحصل بالعزم على عدم السكن في هذا البلد أبداً،ويقترن بهذا العزم خروجه منه وإقامته في بلد غيره.

س:إذا كان المكلف عازماً على عدم السكن في مدينة القطيف مثلاً لكونه سيسكن في مدينة الجبيل،لكنه لم يخرج بعدُ من مدينة القطيف،فهل يحكم بتحقق الإعراض منه،فينـتفي عنه حكم الوطنية فيبدأ بالصلاة قصراً في مدينة القطيف حتى قبل خروجه منها؟…

ج:لا يتحقق الإعراض منه حتى يخرج عن مكان سكناه،فما لم يتحقق منه الخروج،لا يصدق عليه أنه معرض عن الوطن حتى لو كان عازماً على الخروج.

وبعبارة موجزة،لابد من تحقق الخروج مع العزم على الإعراض،فلا يكفي وجود أحدهما في تحققه ما لم يتحقق الآخر.

س:إذا كان الشخص متردداً في بقاء وطنية هذا البلد له،من عدمه،بمعنى أنه متردد في الإعراض عنه،أو في استمرار الوطنية له،فما هو الحكم حينئذٍ من حيث الصلاة،فهل يصلي قصراً أو يصلي تماماً؟…

ج:في حالة وجود تردد عند المكلف في كونه سيبقى على هذا الوطن فلن يعرض عنه،أو أنه سيعرض عنه،يجري عليه حكم الوطن حتى يتحقق منه الخروج عن الوطن مع العزم على عدم العودة إليه لكي يتحقق الإعراض،ولهذا في حالة تردده عليه أن يصلي تماماً.

ما يتحقق به السفر:

يتحقق السفر الشرعي من المكلف بالقطع للمسافة الشرعية مع وجود قصد منه لقطع تلك المسافة.

وقد حُدد مقدار المسافة الشرعية بأربع وأربعين كيلو متراً تقريباً،وبالدقة هي تساوي ثلاث وأربعين كيلو متراً وخمس الكيلو متر الواحد.

فمتى قصد المكلف قطع هذه المسافة،وشرع في السفر اعتبر مسافراً شرعاً فيجب عليه القصر في الصلاة،ومتى قلت المسافة عن ذلك ولو بمقدار قليل وجب عليه التمام.

صور قطع المسافة:

توجد عدة صور لقطع المسافة الشرعية التي يسوغ بقطعها التقصير في الصلاة والإفطار في الصيام،وتلك الصور هي:

الأولى:المسافة الامتدادية:وهي أن يظل المسافر سائراً حتى يقطع المسافة دفعة واحدة.

الثانية:المسافة الملفقة:ولهذه الصورة أقسام:

1-أن يكون ذهابه نصف المسافة ورجوعه نصفها أيضاً.

2-أن يكون ذهابه أكثر من النصف ورجوعه الباقي من المسافة.

3-أن يكون ذهابه أقل من النصف ورجوعه أكثر من النصف.

هذا وقد اختلف العلماء في كيفية التلفيق،فاعتبر بعضهم أنه لابد من أن يكون ذهابه نصف المسافة أو أكثر وإلا لا يحصل التلفيق،ولذا لو كان ذهابه أقل من أثنين وعشرين كيلو متراً تقريباً،لا يسوغ له التقصير.

بينما قال آخرون بأنه يتحقق التلفيق كيفما اتفق وبجميع الأقسام الثلاثة التي ذكرناها.

س:هل لكيفية الطريق مدخلية في التقصير والتمام أو لا،يعني قد يسلك شخص طريقاً مستديراً،وقد يسلك طريقاً مستقيماً،فهل يختلف الحكم أو لا؟…

ج:لا علاقة لكيفية وضع الطريق بالنسبة لترتب حكم القصر والتمام على المكلف،بل المدار هو تحقق قطع المسافة،فمتى صدق ذلك كان عليه التقصير،بلا فرق بين كون الطريق دائرياً أم مستقيماً.

نعم بعض الطرق الدائرية تكون دائرة حول البلدة نفسها بحيث لا يعد السائر فيها مسافراً عرفاً لكونه لم يخرج عن البلد،ففي مثل هذه الحالة لا يسوغ له التقصير بل وظيفته هي التمام.

س:لو وجدنا شخصاً يريد أن يسلك طريقاً طويلاً بغاية التقصير،مع أنه يوجد طريق قريب يوصله لبلده،فهل يسوغ له ذلك،مع العلم أن غايته من ذلك فقط تقصير الصلاة؟…

ج:إذا كان هناك طريقان يوصلانه إلى بلده، أحدهما قريب لا يلزم منه قطع المسافة فسيصلي فيه تماماً،والآخر بعيد يقطع معه مسافة فيصلي قصراً،لم يجب عليه أن يختار الطريق القريب،بل يجوز له اختيار الطريق البعيد من أجل تقصير الصلاة.

مبدأ حساب المسافة:

يبدأ المكلف حساب المسافة من آخر بيوت البلد من الجهة التي يخرج منها،وأما نهاية المسافة في الرجوع من السفر،فقد وقع فيه الخلاف بين العلماء،فقال بعضهم أنه أول بيوت البلد المقصودة من الجهة التي يدخل منها، فإذا وصل إليها انقطع سفره ووجب عليه أن يصلي تماماً،بينما قال آخرون أنه عبارة عن دخول المكلف إلى نفس البلد،ولذا إذا وصل إلى أول بيوت البلد ولم يدخلها وأراد الصلاة هناك فعليه أن يصلي قصراً،بل الأفضل عندهم أن يصل إلى مكان سكنه.

هذا وسيأتي أن جواز التقصير للمسافر والإفطار لا يتحقق بمجرد صدق عنوان المسافر عليه،بل لابد من وصله إلى حد الترخص،كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

كيفية ثبوت المسافة:

تثبت المسافة الشرعية التي سبق وذكرنا مقدارها عند المكلف بأحد الطرق الآتية:

1-أن يحصل له علم بأن المسافة من المنطقة الأولى إلى المنطقة الثانية،تبلغ أربعة وأربعين كيلو متراً،وقد حصل له هذا العلم لكونه قام هو بنفسه بقياس المسافة بين المنطقتين.

2-أن يحصل له اطمئنان من خلال وجود شياع عام بين الناس أن المسافة بين المنطقتين الأولى والثانية يساوي مسافة شرعية.

3-أن يشهد عنده شاهدان عادلان أو شخصان ثقتان بأن المسافة بين المنطقتين الأولى والثانية هي مسافة شرعية.

هذا وقد قال بعض العلماء أنه يكفي إخبار ثقة واحد عن أن المسافة بين المكانين مسافة شرعية ليثبت كونها كذلك،لكن بعض العلماء لم يقبل ذلك،بل قيده بما إذا كان خبره يفيد الوثوق والإطمينان وإلا فلا يعول عليه.

س:قد نبتلى في بعض الأحيان بحصول تعارض بين البينـتين،فنرى شاهدين يشهدان بأن المسافة بين المنطقتين الأولى والثانية،مسافة شرعية،بينما نرى شاهدين آخرين يشهدان بأنها لا تبلغ المسافة الشرعية،ففي مثل هذه الحالة ماذا نعمل،خصوصاً وأن الشهود جميعهم عدول وثقاة؟…

ج:إذا تعارضت البينـتان أو إخبار العدول،سقط الجميع عن الاعتبار،فلا يعتمد على أحدهما،وحينئذٍ يبقى المكلف على وظيفته السابقة التي هي التمام حتى يطمئن بأنه قطع المسافة الشرعية.

س:إذا لم يعلم المكلف بأنه قطع المسافة الشرعية أو لا،كما لم يعلم أن هذا المكان مسافة أو لا،هل يجب عليه أن يقوم بالفحص؟…

ج:في كلتا الحالتين لا يجب عليه أن يقوم بالفحص،حتى لو لم يكن في الفحص حرج عليه،ووظيفته ما دام شاكاً في تحقق المسافة هي البقاء على التمام.

اشتراط العزم في التقصير:

لابد من أن يكون المكلف حين قطعه للمسافة عازماً وقاصداً إلى قطعها من أول السير،فلو سار مدة من دون وجود قصد إلى مكان محدد،كما لو كان راغباً في النـزهة أو كان يبحث عن غريم له،لم يحسب ذلك سفراً منه حتى لو طالت المسافة،فلا يمكنه التقصير.

نعم لو نوى بعد ذلك مكاناً محدداً بدأ حساب المسافة من حين النية،فإن كان الباقي إلى مقصده مسافة السفر الشرعي،ولو ملفقاً قصر وإلا كانت وظيفته التمام.

وكما يعتبر عزم المسافر وقصده للسفر،يعتبر أيضاً بقاء القصد والعزم منه حتى وصوله إلى المكان الذي كان قاصداً له،فلو عدل في الأثناء عن مواصلة السفر،أو كان متردداً في المواصلة وعدمها واستمر على هذا التردد،لزمه الإتمام إذا لم تكن المسافة التي قطعها موجبة للقصر ولو ملفقة بإضافة المسافة التي سيرجعها إليها.

س:في مثل هذه الحالة التي ذكرت،لو كان المكلف قد صلى فريضة قصراً فماذا عليه الآن؟…

ج:إذا كان قد صلى فريضة قصراً وقد عزم الآن على العدول عن السفر فعليه أن يعيد الصلاة تماماً في الوقت،وإذا كان الوقت قد انقضى فعليه أن يقضيها،ولو كان صائماً فأفطر فعليه الإمساك بقية النهار،ثم عليه القضاء فيما بعد.

هذا كله بناء على أنه لم يبلغ المسافة الشرعية التي سبق منا تحديدها،أما لو كان قد بلغ المسافة الشرعية،فلا يجب عليه إعادة الصلاة التي صلاها قصراً.

ولهذا ينبغي للمسافر أن يتأكد من نفسه عندما يعزم على السفر بأن لديه القدرة على مواصلة السفر،وأنه لا يوجد ما يمنعه عن المواصلة،فلو أحرز كونه عاجزاً عن المواصلة،أو لم يحرز المواصلة لاحتمال طروء العجز عليه وكان هذا الاحتمال عقلائياً معتداً به،يشكل ترتيب أثر السفر عليه،فلا يجوز له القصر حينئذٍ ولا الإفطار.

س:إذا تردد المسافر في أنه سيكمل سفره أم سيعود،ثم عاد إلى نيته السابقة،فعزم على مواصلة السفر هل يبدأ حساب المسافة من جديد أو أنه يكمل من الحساب السابق الذي كان قد بدأه في بداية السفر؟…

ج:إن التردد الذي حصل له لا يستدعي إلغاء المسافة التي قطعها من قبل،فعليه أن يستمر في سفره فيضم له ما قد قطعه من قبل.

نعم ما كان قد قطعه أثناء كونه متردداً يشكل حسابه من المسافة لكونه قد قطعه دون وجود عزم منه أو نية.

س:لو حصل للمسافر عزم على قطع السفر وعدل عنه،وأخذ في الرجوع إلى وطنه وسار أميالاً،ثم عاد وعزم على السفر من جديد،ففي هذه الحالة ماذا عليه أن يصنع؟…

ج:في صورة تراجع المسافر عن قصده السفر وقيامه بالعودة إلى وطنه،ثم تجدد نية السفر عنده من جديد،فهنا صورتان:

الأولى:أن هذا كله حصل له وهو واقف مكانه لم يتحرك،أعني أن عدوله عن السفر،ثم عزمه على السفر من جديد قد حصل وهو مكانه،ففي هذه الحالة عليه أن يكمل سفره ويحسب المسافة التي قطعها من قبل في مسافة السفر ويضيف لها ما سيقطعه من جديد.

الثانية:أن يكون قد أخذ في الرجوع إلى وطنه،وقطع بعض الكيلو مترات،ففي هذه الحالة عليه أن يقوم بإلغاء المسافة التي قطعها عندما شرع في السفر الأول الذي عدل عنه،ويبدأ في حساب المسافة من حين تجدد العزم عنده على السفر،فإن كان ما بقي له إلى مقصده مسافة شرعية،ولو ملفقة فعليه أن يقصر في صلاته،وإلا كانت وظيفته التمام.

هذا ولنوضح هذه الصورة بمثال يقرب الحكم للذهن:

خرج زيد من مدينة القطيف قاصداً مدينة الرياض لكونه طالباً يدرس فيها،وبعدما قطع بعض المسافة ولنفرض أنها ثمانية عشر كيلو متراً،علم أن أحد أصدقائه المقربين عاد من السفر،فعندها عدل عن نية السفر إلى الرياض،وعاد راجعاً إلى مدينـته القطيف،وبعدما قطع مسافة عشرة كيلو مترات،علم أن الخبر الذي وصله كان مجرد إشاعة،فعندها عزم من جديد على العودة إلى الرياض،ففي مثل هذه الحالة عليه أن يبدأ الحساب من جديد،فلا يضم المسافة التي قطعها قبل عودته إلى بلده إلى المسافة المتبقية،بل يبدأ الحساب من النقطة التي علم فيها أن خبر وصول صديقه كان مجرد إشاعة.

س:بعض المسافرين يخرجون من بيوتهم بقصد السفر بشرط أن يتيسر لهم رفيق في ذلك السفر وإلا فلن يسافروا،مثلاً يقطع الشخص مسافة أقل من أثنين وعشرين كيلو متراً حتى يصل إلى موقف الباصات مثلاً،فإن وجد شخصاً يرافقه في سفره فإنه سيواصل السفر،وإن لم يجد فإنه سيعود إلى بيته،فما هو حكم هذا من جهة القصر والتمام؟…

ج:إذا خرج المكلف إلى ما دون المسافة الشرعية،وقد علق سفره على شرط من الشروط التي لا يجزم بتحققه له،كما لو جعل الشرط مرافقة شخص بعينه مثلاً،أو وجود رفيق له قد لا يوجد،فإنه لا يحسب المسافة التي قطعها إلى مكان الاشتراط الذي سيجد فيه من يطلبه وهو موقف الباصات مثلاً،ولهذا إذا أراد أن يسافر بعد ذلك من موقف الباصات عليه أن يبدأ الحساب من جديد للمسافة.

نعم لو كان جازماً بحصول الشرط الذي اشترطه،بنحو لا يضر بعزمه على السفر أي أنه كان متأكداً من مجيء صديقه إلى موقف الباصات ففي مثل هذه الحالة يحتسب المسافة ويرتب على قطعها الأثر من القصر والإفطار.

حكم التابع:

بعض الأفراد ليس لهم حرية الرأي في قصد السفر من عدمه،بل هم تابعون لغيرهم فمتى ما قال ذلك الغير بالسفر كانت وظيفتهم القبول،مثل الخادم والزوجة والولد الذي يعيش في كنف والده وهو المسؤول عن ترتيب أمور معيشته وعيلولته.

وهؤلاء قد لا يحصل منهم القصد إلى المسافة وبالتالي قد يقال أنه لا يسوغ لهم التقصير.

لكن هذا في غير محله،بل يكفي في قصد التابع أن يكون منقاداً لرغبة الغير وتابعاً له،مع العلم بكون المتبوع قاصداً المسافة.

س:هل يكفي أن يقصد التابع ما يقصده المتبوع عند شكه في أن ما يقصده مسافة شرعية أو لا؟…

ج:لا يكفي ذلك،بل يبقى حينئذٍ على التمام.

س:هل يجب على التابع أن يسأل المتبوع عن سفره من جهة أنه مسافة شرعية أو لا؟…

ج:لا يجب على التابع أن يقوم بسؤال المتبوع عن ذلك،نعم الأحوط استحباباً أن يقوم بسؤاله.

وهل يجب على المتبوع الإخبار إذا قام التابع بسؤاله؟…لا يجب على المتبوع إخبار تابعه بوجهته التي يقصدها.

س:إذا كان الأمر كما ذكر فمتى يبدأ التابع بحساب المسافة؟…

ج:يبدأ التابع بحساب المسافة متى ما علم بقصد المتبوع،وعلى هذا إذا كان الباقي مسافة قصر،وإن لم يكن كذلك فعليه أن يتم.

حكم النائم والمغمى عليه:

س:تقدم أنه يعتبر في جواز التقصير حصول القصد من المسافر،فهل يضر النوم بصدق عنوان القصد،فربما نام المسافر في الطريق،فهل أن هذا يعني انتفاء القصد عنه؟…

ج:لا يضر بتحقق عنوان القصد حصول النوم من قبل المسافر،وكذلك الإغماء لو حصل منه فإنه لا يضر بتحقق القصد منه،ما دام قد حصل القصد منه قبل حصول النوم أو الإغماء،سواء حدث النوم منه قبل شروعه في السفر أم بعد شروعه فيه.

نعم من كان نائماً قبل السفر ولم يتحقق القصد منه إلى السفر، ولم يستيقظ إلا بعد قطع المسافة لا يجوز أن يقصر، بل عليه أن يتم الصلاة،لعدم تحقق القصد منه.

إذا اختلف الاعتقاد مع الواقع:

إذا سافر المكلف،واعتقد أن المقدار الذي قطعه مسافة شرعية،فقام بالتقصير،ثم ظهر له أنه أقل من المسافة الشرعية،ففي هذه الحالة عليه أن يعيد الصلاة إذا كان الوقت باقياً،أما لو مضى وقتها،فبعض العلماء يقول بلزوم قضائها بنحو الإحتياط الوجوبي وبعضهم يقول بوجوب القضاء بنحو الفتوى.

وقد يحصل العكس بمعنى أن يسافر المكلف،وبعدما يقطع بعض المسافة يعتقد أن الذي قطعه أقل من المسافة الشرعية،فيصلي تماماً ثم يتضح له أن الذي قطعه مسافة شرعية،فعليه في هذه الحالة إعادة الصلاة إذا كان الوقت باقياً،لكن لا يجب عليه قضاؤها إذا انتهى وقتها.

الشك في المسافة:

إذا سافر المكلف ثم شك في أن المكان الذي يقصده مسافة،أو كان يعتقد أن هذا المكان الذي سيذهب إليه ليس مسافة شرعية،وهو قاصد الذهاب إليه،وتبين له في الأثناء أنه مسافة وجب عليه أن يصلي قصراً حتى لو لم يكن الباقي مسافة مستقلة.

بل حتى لو ظل جاهلاً أو شاكاً في كونها مسافة حتى قطعها فعليه أن يقصر أيضاً حين الصلاة.