20 أبريل,2024

بقية الله الأعظم

اطبع المقالة اطبع المقالة

اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك

مدخل:

تحدث القرآن الكريم والنصوص الواردة عن أهل البيت(ع)عن أنه إذا تحكم المتكبرون في حياة الناس واستضعفوهم،وسلبوهم قيمهم وعقولهم وضمائرهم،بحيث وصلت البشرية إلى طريق مسدود،تـتدخل الإرادة الإلهية،لتنقل السلطان والقوة من أيدي الظالمين إلى أيدي عباد الله الصالحين.

وهذا التغيـير أو الإنقلاب،من السنن الكونية الإلهية حيث سبق وحصل في تاريخ بني اسرائيل، عندما استكبر فرعون وأفسد في الأرض.

ثم مما نصت عليه النصوص الواردة عن أهل بيت العصمة(ع)أن قائد حركة التغيـير والإنقلاب،شخص من ذرية رسول الله(ص)وهو الحجة المهدي(عج)،والنصوص الواردة بذلك صحيحة،بل بلغت حد التواتر.

ولا يخـتص الإعتقاد بهذه القضية بخصوص الشيعة الإمامية،بل هي من القضايا المتفق عليها عند عامة المسلمين.

ولما كنا نعيش هذه الأيام ذكرى ولادته وهو الأمل والمنقذ،فلا بأس أن نسلط الضوء في عجالة منا على شيء من هذه المناسبة العطرة.

ولادته:

كما قلنا لا يخـتلف المسلمون في قضية المنقذ وكونه من ذرية رسول الله(ص)وأنه المهدي(عج).

نعم يخـتلفون في أنه ولد كما عليه الشيعة الإمامية أنار الله برهانهم،ووافقهم على ذلك جمع غير قليل من الفرق الإسلامية،أو أنه سيولد كما عليه غيرهم.

هذا والذي تعتقده الشيعة الإمامية أنه محمد بن الحسن العسكري،وقد ولد سنة 255 من الهجرة بسامراء،ثم حجبه الله تعالى عن أعين الناس،وهذا المعنى قد تواترت به النصوص الواردة عن أهل البيت(ع)في أن المهدي الذي بشر به رسول الله(ص)هو محمد بن الحسن العسكري،وهو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت(ع).

هذا ويمكننا أن نستدل على ولادته(عج)بطريقين من خلال النصوص:

الطريق الأول:النصوص العامة التي تشمله وتشمل آبائه الطاهرين(ع)،حيث أن مقتضى دلالتها كما سنشير إلى ذلك هو ثبوت ولادته.

الطريق الثاني:النصوص الخاصة الناصة على ولادته(عج).

أما الطريق الأول:

فإننا نتعرض لبعض الطوائف من الأخبار،فلا نشير للجميع كما أن الطوائف التي نتعرضها نبتغي فيها جنبة الإختصار حذراً من الإطالة،والطوائف تباعاً هي:

حديث الثقلين:

وهو من النصوص التي تواترت روايته عن النبي(ص)من جميع الفرق الإسلامية،ولفظ الحديث كما في أغلب المصادر:

أيها الناس،إنما أنا بشر أوشك أن أدعى فأجيب،وإني تارك فيكم الثقلين،وهما كتاب الله وعترتي أهل بيتي،وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض،فلا تسبقوهم فتهلكوا،ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم.

والمستفاد من الحديث الشريف أمور:

1-إن الخليفة الذي تركه النبي من بعده في الأمة لهدايتها،هما الكتاب والعترة الطاهرة.

2-إن القرآن والعترة الطاهرة لن يفترق أحدهما عن الآخر إلى يوم القيامة.

3-الأمر منه(ص)بالتمسك بهما،لأن التمسك بهما يعصم الأمة عن الوقوع في الضلال،ويراد من التمسك بهما الإتباع والطاعة،وهذا هو معنى الحجة،لأنه ليس للحجة والحجية من معنى غير الإتباع والطاعة.

ثم إننا إذا ضمننا الأمر الأول إلى الأمر الثاني،نستنـتج اصلاً هاماً،وهو وجود حجة وإمام من أهل البيت(ع)في كل زمان لا يفترق عن كتاب الله،وإلا حصل الإفـتراق الذي نفاه النبي(ص).

وبالجملة إن الحديث دال دلالة واضحة على بقاء حجة من أهل البيت(ع)إماماً للناس.

وهذا التفسير الذي ذكرناه للحديث الشريف يثبت صحة ما يعتقده الشيعة الإمامية من وجود الإمام المهدي(عج)وولادته وحياته وبقائه وعصمته وإمامته على المسلمين،لأن رفض هذا المعنى الذي ذكرناه،يستدعي وجود شخصية أخرى لتكون مصداقاً للعترة التي هي عدل القرآن وباقية معه ما دام القرآن باقياً بمقتضى ما ذكرناه في تقريب حديث الثقلين.

مع أننا لا نجد في هذه القرون من حياة المسلمين من يدعى أنه الإمام العدل للقرآن الكريم،الذي على الناس أن يتبعوه ولا يتقدموه،وأن يتعلموا منه ولا يعلموه،كما تضمن ذلك نص حديث الثقلين.

والنتيجة التي نخلص لها بعد هذا هو صحة ما عليه الشيعة الإمامية من ولادة الإمام الحجة،وأنه الإمام المفترض الطاعة بمقتضى دلالة حديث الثقلين.

من مات ولم يعرف إمام زمانه:

وقد روي هذا الحديث في كتب المسلمين،ولفظ الحديث الوارد عن رسول الله(ص):من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية.

وقد روى هذا الحديث ثقاة المحدثين من أصحابنا الإمامية،وطرقهم إليه كثيرة،طائفة منها صحيحة،ولا يـبعد القول بتواترها،خصوصاً على حساب الإحتمالات الذي يتبناه بعض الأعلام من علمائنا.

هذا وقد عقد غواص بحار الأنوار العلامة المجلسي(ره)باباً في البحار،أورد فيه أربعين حديثاً في هذا المعنى بطرق كثيرة وألفاظ متقاربة تحت عنوان:من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية [1].

هذا ولا بأس بالتبرك بذكر طريقين منها:

الأول:ما رواه البرقي في كتابه المحاسن بسند معتبر عن أبي عبد الله الصادق(ع):إن الأرض لا تصلح إلا بإمام،ومن مات ولم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية.

الثاني:ما رواه الكشي عن ابن أحمد عن صفوان عن أبي اليسع قال:قلت لأبي عبد الله(ع):حدثني عن دعائم الإسلام،فقال:شهادة أن لا إله إلا الله…-إلى أن قال-:قال رسول الله(ص):من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.

ثم إننا حينما نود استنطاق النص والإستظهار منه نجده يتضمن التالي:

1-أن الأرض لا تصلح إلا بإمام.

2-لابد في كل زمان،من أن يعرف الإنسان إمام زمانه،ولزوم معرفته من الدين،كما أن الجهل به ورفضه من الجاهلية.

3-يجب على كل أحد طاعة إمام زمانه،ولا يجوز له أن يخرج عن طاعته.

4-كل من مات وليس في عنقه بيعة للإمام مات ميتة جاهلية.

5-إن حلقات الأئمة متصلة في كل زمان.

بعد هذا الإستنطاق للحديث،يتضح أن التفسير الوحيد له،ولأمثاله من النصوص هو ما تعتقده الإمامية من استمرار الإمامة في أهل البيت(ع)،منذ وفاة رسول الله(ص)إلى اليوم،وأنها لم تنقطع بوفاة الإمام العسكري(ع)،بل هي باقية بوجود ولده بقية الله في الأرض،حيث أنه قد ولد.

هذا ولا يوجد تفسير آخر لهذه النصوص إلا أن يقال بوجوب الطاعة لكل بر وفاجر،كما يقول به بعض الناس،لكن إثبات ذلك عهدته على مدعيه،حيث أننا لا نعتقد أن الطاعة التي تساوي الإسلام،وخلافها يساوي الجاهلية،وهي المضمون الذي تضمنه الحديث الشريف،هي طاعة هؤلاء الذين أمرنا الله تعالى بعدم الركون إليهم والكفر بهم من الحكام الظلمة الذين حكموا المسلمين خلال التاريخ.

الأرض لا تخلو من حجة:

وقد روى هذا الحديث محدثون ثقاة من أصحابنا كالمحمدين الثلاثة-الكليني،والصدوق،والطوسي-بطرق كثيرة تبلغ حد التواتر في مختلف طبقات إسناده،وقد عقد له شيخنا الكليني(ره)في كتابه الكافي باباً بهذا العنوان في كتاب الحجة [2].

وعقد له العلامة المجلسي في بحار الأنوار،باباً بعنوان:الإضطرار إلى الحجة،وأن الأرض لا تخلو من حجة،وهو الباب الأول من المجلد السابع من الكتاب،ذكر فيه 118 حديثاً بهذا المضمون.

هذا ولنشر لبعض النصوص المذكورة:

محمد بن يعقوب الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن عمير عن الحسين بن أبي العلاء قال:قلت لأبي عبد الله(ع):تكون الأرض ليس فيها إمام؟قال:لا،قلت:يكون إمامان؟قال:إلا وأحدهما صامت [3].

وهذه الرواية من النصوص المعتبرة.

ومنها:موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله(ع)قال:سمعته يقول:إن الأرض لا تخلو إلا وفيها إمام [4].

وغير ذلك من النصوص التي سمعت أنها متواترة،مضافاً إلى أن جملة منها معتبرة سنداً.

ودلالة هذه النصوص على أن الأرض لا تخلو من حجة لله ظاهراً أو مغموراً،والحجة في كلمات أهل البيت(ع)مصطلح معروف لكل من يألف كلماتهم(ع).

ولا أظن هذه النصوص بحاجة إلى تعليق وإيضاح لكونها صريحة في ضرورة وجود إمام في كل زمان.

وعلى هذا لا يكون لهذه النصوص أي تفسير غير ما تعتقده الشيعة الإمامية من جود الإمام الحجة المنتظر(عج)وولادته وحياته وأنه غائب.

وإن لم يقبل هذا التفسير الذي ذكرناه،فإننا ننـتظر تفسيراً آخر لهذه النصوص لنرى أنه يتوافق مع الظهور العرفي لما يظهر منها أولا.

الأئمة اثني عشر:

وقد أخرج أصحابنا الإمامية هذا الحديث بطرق كثيرة جداً،تبلغ حد التواتر،كما أنها تـتضمن الصحيح،الذي لا مجال للتشكيك في سنده.

فقد ذكر الحر العاملي في كتابه القيم:إثبات الهداة،927حديث في إثبات إمامة الأئمة الأثني عشر،وقد تضمن الكثير منهم التصريح بعدد الأثني عشر،بشكل صريح وبأسماء الأئمة(ع).

وأخرج الكليني 95 رواية،والصدوق 53 رواية في عيون الأخبار،و22 في معاني الأخبار،92 في إكمال الدين،وغير ذلك.

وحينما نـتأمل هذه النصوص نطمئن بكون هذا المضمون صادراً عن النبي(ص).

هذا والأحاديث المذكورة ظاهرة في أن الأمراء المذكورين في هذا الحديث أمراء الحق،ولا يكونون من أئمة الظلم والجور،من أمثال معاوية ويزيد،والوليد والرشيد والمتوكل،وأضرابهم من حكام الظلم والجور.

كما أنها تنص على أن عدتهم اثنا عشر،بعدد نقباء بني اسرائيل،قال تعالى:- (ولقد أخذ الله ميثاق بني اسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً)[5].

كما أنها صرحت بأنه لا يخلو زمان من الأزمنة من واحد من هؤلاء الأئمة.

وبمقتضى ضم هذه الأمور مع بعضها البعض،نصل إلى أنه لا تطبيق صحيح لها غير الأئمة الأثني عشر،المعروفين عند الشيعة الإمامية،الذي آخرهم القائم المؤمل المهدي(عج)،وبالتالي يثبت أنه(أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)قد ولد.

فالنـتيجة أنه لا نعرف تطبيقاً لهذه الطوائف الأربع التي ذكرناها غير ما تعتقده الشيعة الإمامية من الإيمان بولادة الإمام المهدي(عج)وغيـبته.

الطريق الثاني:

وهو النصوص الخاصة التي تنص على ولادته(عج)وهي نصوص متواترة،ورد في بعضها التصريح بحدث الولادة المباركة،وبعضها وإن كان خالياً من ذلك،لكن تدل على المدعى من خلال المدلول الإلتـزامي،وهكذا.

وعلى أي حال نقتصر على ذكر بعض الروايات الناصة على حدث الولادة المبارك:

منها:الحديث الصحيح الذي رواه الفضل بن شاذان،حدثنا محمد بن علي بن حمزة بن الحسين بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه،قال:سمعت أبا محمد(ع)يقول:قد ولد ولي الله وحجته على عباده،وخليفتي من بعدي،مختوناً ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين عند طلوع الفجر،وكان أول من غسله رضوان خازن الجنة مع جمع من الملائكة المقربين بماء الكوثر والسلسبيل،ثم غسلته عمتي حكيمة بنت محمد بن علي الرضا(ع)،فسئل محمد بن علي بن حمزة(رض)عن أمه(ع)،قال:أمه مليكة التي يقال لها بعض الأيام:سوسن،وفي بعضها ريحانة،وكان صيقل(صقيل)،ونرجس أيضاً من اسمائها.

ومنها:ما جاء في كمال الدين بسند معتبر عن أبي جعفر العمري،قال:لما ولد السيد(ع)قال أبو محمد(ع):ابعثوا إلى أبي عمرو فبعث إليه،فصار إليه فقال له:اشتر عشرة آلاف رطل خبز،وعشرة آلاف رطل لحم،وفرقه-أحسبه قال على بني هاشم-وعق عنه بكذا وكذا شاة [6].

ومنها:ما رواه في كمال الدين أيضاً بسند معتبر عن علي بن محمد قال:ولد الصاحب(ع)للنصف من شعبان سنة خمسة وخمسين ومائتين [7].

ومنها:ما رواه الفضل بن شاذان بسند معتبر عن أحمد بن إسحاق الأشعري قال:سمعت أبا محمد ابن علي العسكري(ع)يقول:الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف بعدي،اشبه الناس برسول الله خلقاً وخُلقاً،يحفظه الله تبارك وتعالى في غيـبته،ثم يظهره فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً [8].

وكما ترى هذه النصوص وأمثالها تشير إلى تحقق ولادته(أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)وهي صريحة ونص في ذلك،فلا يـبقى بعد ذلك شك ولا ريب في صدق مقالة الشيعة الإمامية وتمامية معتقدهم من هذه الجهة.

خاتمة:

هذا ولا بأس في ختام حديثنا حول هذه النقطة من الإشارة إلى من وافقنا من المسلمين من غير الشيعة في أنه(عج)قد ولد،وأنه غائب يظهر ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً،وإليك قائمة بأسماء بعضهم:

1-الشيخ ابن حجر الهيثمي المكي الشافعي،قال في الصواعق بعد ذكر بعض حالات الإمام أبي محمد(ع):ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة،وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين،لكن آتاه الله فيها الحكمة.

2-ابن صباغ،فقد صرح في كتابه الفصول المهمة،بولادته(عج)وتاريخها وأن أمه نرجس خير أمة.

3-الحافظ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي،قال:وخلف-يعني الإمام الهادي-من الولد أبا محمد الحسن ابنه،مولده بالمدينة في شهر ربيع الاخر……وقبض يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الأول…..وخلف ابنه وهو الإمام المنتظر(ص)ونخـتم الكتاب بذكره.

4-القاضي فضل بن روزبهان.وغير ذلك من الأسماء التي يجدها المتـتبع.

اللهم أرني الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة واكحل ناظري بنظرة مني إليه وعجل فرجه وسهل مخرجه،واوسع منهجه

——————————————————————————–

[1] لحار الأنوار ج 23 ص 76-93.

[2] أصول الكافي ج 1 ص 178.

[3] المصدر السابق.

[4] المصدر السابق.

[5] سورة المائدة الآية رقم 12.

[6] كمال الدين ج 2 ص 430.

[7] المصدر السابق.

[8] المصدر السابق ص 408.