19 أبريل,2024

الطواف نيابة عن صاحب الزمان(عج) (1)

اطبع المقالة اطبع المقالة

لا خلاف بين أصحابنا في عدم مشروعية النيابة عن الأحياء في الأعمال العبادية البدنية، واستثنوا من ذلك الحج والعمرة والطواف وزيارة النبي(ص) والأئمة الأطهار(ع)، فحكموا فيها بالجواز.

هذا وقد فصل الأصحاب في الطواف المستحب، بين من كان غائباً عن مكة، وبين من كان حاضراً فيها، فحكموا بمشروعية الطواف عمن كان غائباً عنها ، وأما من كان حاضراً فيها، فخصوا الجواز بما إذا كان معذوراً لا مطلقاً.

ويدل على الأول، صحيحة معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله(ع)-في حديث- قال: قلت له: فأطوف عن الرجل والمرأة وهما بالكوفة؟ فقال: نعم، يقول حين يفتتح الطواف: اللهم تقبل من فلان، للذي يطوف عنه[1]. فإن المستفاد منها جواز النيابة عن من كان غائباً عن مكة، من دون فرق بين كونه عاجزاً عن الحضور إليها، وعدم كونه كذلك، فلاحظ.

وقد يستدل للثاني، بالنصوص التي تضمنت الطواف عن المبطون والكسير والمريض، مثل صحيح معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله(ع) أنه قال: المبطون والكسير يطاف عنهما ويرمى عنهما[2].

إلا أن الإنصاف عدم دلالته على المدعى، فإن الظاهر أن موضوعه هو الطواف الواجب، وليس الطواف المستحب بقرينة وجود الرمي فيه، كما لا يخفى. وهذا يجعله أجنبياً عن محل المقام، لأن محل البحث هو الطواف المندوب، وليس الطواف الواجب، فتدبر.

لا يقال: بأنه لا خصوصية للطواف الواجب، ما يوجب التعدي منه إلى الطواف المستحب، فكما كانت النيابة مشروعة في الواجب، تكون مشروعة في الطواف المستحب أيضاً.

قلت: إن البناء على نفي الخصوصية في كل واحد من الطوافين عهدتها على مدعيها، إذ ليس من الضروري أن ما يكون ثابتاً في الطواف الواجب، يكون ثابتاً في الطواف المستحب، فإن الطهارة من الحدث مثلاً شرط صحة في الطواف الواجب، وليست كذلك في الطواف المستحب، فلاحظ[3].

وقد عرفت أن مقتضى القاعدة هو القول بعدم المشروعية في الأعمال البدنية، إلا ما استثني جراء وجود ما يدل عليه، وليس في البين ما يدل على ذلك، فتدبر.

وعليه، فسوف يلتـزم بعدم مشروعية النيابة في الطواف المستحب لمن كان حاضراً في مكة وهو معذور، وتفصيل هذا يطلب من محله.

إلا أن الكلام في مشروعية الطواف نيابة عمن كان حاضراً في مكة دون عذر، وبالتحديد الطواف نيابة عن سيدي ومولاي الإمام صاحب الناحية المقدسة(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، ولا يذهب عليك أن الحديث عن مشروعية الطواف عنه، فرع ثبوت وجوده في مكة المكرمة أثناء موسم الحج، بناء على عدم مشروعية الطواف عمن كان حاضراً في مكة من دون عذر، وعليه يقع البحث ضمن فرعين:

الأول: في أن صاحب الناحية المقدسة(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، هل هو موجود في مكة في موسم الحج، أم أنه ليس موجوداً.

الثاني: في مشروعية الطواف المستحب عمن كان حاضراً في مكة من دون عذر.

الأول: في حضور صاحب الناحية المقدسة(عج) الموسم في كل عام وعدمه:

ربما قيل، بأنه لا مانع من الالتـزام بأن الإمام(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، يحضر الموسم في كل عام، وأنه يشهد الحج، فيرى الناس ويعرفهم، كما أنهم يرونه، إلا أنهم لا يعرفونه، وذلك لأن المقصود من الغيبة كما عرفت محله، ليس خفاء الشخص، وإنما المقصود منها خفاء العنوان، ويشهد لذلك بعض النصوص، فقد تضمنت أنه يحضر الموسم في كل عام:

منها: ما روي عن محمد بن عثمان العمري(رض) أنه قال: والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه[4]. ودلالته على المدعى واضحة جداً، فإن المستفاد منه، أن الإمام صاحب الزمان(روحي لتراب حافر جواده الفداء) يحضر موسم الحج في كل سنة، وأنه يرى الناس، ويعرفهم، والناس يرونه ولا يعرفونه.

ولا يخفى أن رؤية الناس إياه مع عدم معرفتهم له، يعود لأن ما تقدم من أن المقصود من الغيبة ليس خفاء الشخص، وإنما يقصد بها خفاء العنوان، ولهذا هم يرونه، إلا أنهم لا يعرفونه بشخصه، فتدبر.

ويمنع من الاستناد للخبر المذكور أمران:

الأول: عدم وجود طريق لشيخنا الصدوق(ره) إلى العمري(رض)، فإنه لم ينص في المشيخة على ذكر طريقه إليه، وبالتالي يكون الخبر مرسلاً.

ويمكن التغلب على هذه المشكلة، بما رواه في إكمال الدين، عن ابن المتوكل، عن الحميري، عن محمد بن عثمان العمري، قال: سمعته يقول: والله إن صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كل سنة، فيرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه[5].

الثاني: إن الحديث المذكور لم يتضمن ذكراً ولا تصريحاً باسم المعصوم الذي روي الخبر عنه، وعليه سوف يكون فيه احتمالان:

أحدهما: أن يكون الخبر مضمراً، فلو لم يحكم بحجية المضمرات، فلن يدخل دائرة الحجية، أما لو حكم بحجيتها ولو في الجملة، وبملاحظة من هو المضمر، استناداً لبعض البيانات الموجبة للحجية، كما هو الصحيح، فلن يمنع ذلك من حجيته، فتدبر.

ثانيهما: أن يكون المحكي عنه الخبر، هو العمري الابن(رض)، وليس الخبر صادراً عن معصوم.

ومن الواضح أن مقتضى هذا الاحتمال رفع اليد عن الاستدلال به، لأنه لا يعدّ مصدراً يستند إليه، كما لا يخفى، وإنما يستند إلى خصوص ما يكون صادراً عن المعصوم(ع)، وليس المورد من صغريات القضايا التاريخية التي يرجع فيها مثلاً للمحدثين والمؤرخين، فلاحظ.

اللهم إلا أن يدعى، إن الخبر وإن لم يتضمن ذكراً للمعصوم الذي صدر عنه، وظاهره أن القائل هو العمري(رض)، إلا أن الموجب لما ذكره ما استكشفه من حالات ثابتة للمولى(بأبي هو وأمي)، وهذا مستفاد من خلال النصوص التي صدرت في حقه عن آبائه وأجداده الطاهرين(ع)، وبالتالي يكون الخبر بمثابة المنقول لمقول المعصوم(ع)، بالمعنى، فيثبت المطلوب.

والإنصاف، أن ما ذكر وإن كان ممكناً، إلا أنه يصعب الوثوق به، لأن من المحتمل أن يكون ما يحكيه العمري مبني على مشاهدته له(روحي لتراب حافر جواده الفداء)، خلال فترة الغيبة الصغرى وأيام سفارة والده، وأيام سفارته، وليس ذلك مستفاداً من نص من النصوص، ويساعد على ذلك، ما رواه الحميري أنه قال: سألت محمد بن عثمان العمري(رض) فقلت له: رأيت صاحب هذا الأمر؟ فقال: نعم وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام، وهو يقول: اللهم انجز لي ما وعدتني.

قال محمد بن عثمان(رض): ورأيته صلوات الله عليه متعلقاً بأستار الكعبة في المستجار، وهو يقول: اللهم انتقل لي من أعدائك[6]. فلاحظ.

وبالجملة، إن عدم إحراز كون الخبر صادراً عن المعصوم(ع)، مانع من الاستناد إليه، فتدبر.

اللهم إلا أن يقال، إننا لسنا بحاجة في إثبات حضور المولى(روحي لتراب حافر جواده الفداء) إلى وجود نص من المعصوم، ذلك لأن الأمر من الموضوعات الخارجية، والتي يكتفى فيها بإخبار الثقة إذا أفاد وثوقاً واطمئناناً بناء على المختار في عدم حجيته بقول مطلق، ولما وجد خبر الثقة، وهو العمري الابن(رض)، كان ذلك كافياً للجزم بتحقق حضوره فيثبت المطلوب، فتأمل جيداً.

وهذا وإن كان قريباً جداً، إلا أن في البين أمراً، وهو أن هذا الإخبار هل يختص بعصر الغيبة الصغرى، أم أنه يسري لما بعدها أيضاً ليكون شاملاً للغيبة الكبرى. وبكلمة، إنه لا ريب في أن شهادة الثقة في الموضوعات ليست مختصة بزمان ما، إلا أن ذلك إذا أحرز أنها شهادة غير مختصة بزمان ما، أما لو أحرز أن شهادة الشاهد ناظرة إلى آنٍ ما، وليست عامة، فلا يمكن البناء عليها.

ومع الشك، في سعة دائرة الشهادة، وضيقها، سوف يقتصر على القدر المتيقن، والظاهر أن المتيقن منها في المقام، هي خصوص الغيبة الصغرى، دون الكبرى، فلاحظ.

ومنها: ما رواه الصدوق(ره) في كتاب إكمال الدين، عن ابن المتوكل، عن الحميري، عن محمد بن عثمان العمري، قال: سمعته يقول: والله إن صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كل سنة، فيرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه[7]. ودلالته على المدعى عين دلالة الخبر المتقدم، فلا نعيد. نعم يختلف عن سابقه في كونه مسنداً، وهو سند صحيح لا كلام فيه.

وقد يمنع من ورود إشكالنا الثاني في الخبر السابق، بأنه قد تضمن ضميرين، فقد جاء فيه (قال)، و(سمعته)، وبالتالي يمكن البناء على كون الصحيح من المضمرات، فيدخل دائرة الحجية، بلحاظ أن المضمر هو العمري(رض)، فلاحظ.

وما ذكر أحد احتمالين متصوران في الضميرين الذين وردا في الخبر، والاحتمال الآخر، ما جاء في حاشية البحار[8]، من أن الضمير في قوله: سمعته، يعود للحميري راوي الخبر عن العمري، والضمير في قوله: قال: راجع للعمري، المنقول عنه الخبر.

وعليه، لابد وأن يعمد للترجيح بين هذين الاحتمالين، إذ لو بني على الاحتمال الأول، لبني على كون الخبر حجة، وأمكن الاستناد إليه في إثبات المدعى، أما لو كان المحكم هو المحتمل الثاني، كان ذلك موجباً لعدم حجية الخبر، لما عرفت في الحديث السابق.

هذا ولو حكمت القواعد العربية، لقضت بترجح الاحتمال الثاني، فإن الضمير يرجع إلى أقرب المذكورين، وهذا يستوجب أن يكون الضمير في: سمعته راجعاً للحميري، وفي قال: راجعاً للعمري. نعم قد يتوقف في الجزم بمثل هذا، لأن من المعروف والمألوف وجود مثل هكذا تعبيرات في المحاورات العرفية، والتي منها النصوص، خصوصاً المضمرات، فتأمل.

وبالجملة، إن الجزم بأحد الاحتمالين من الصعوبة بمكان، ويحتاج مزيداً من التأمل، فلاحظ.

ثم إنه قد يذكر مانع آخر في الخبرين السابقين، يمنع من دلالتهما على المدعى، باختصاصهما بزمان الغيبة الصغرى دون الكبرى، وأن ذلك هو القدر المتيقن[9].

ولا يخفى أن هذا يعود إلى الشك في حقيقة الغيبة، إذ أنه لو بني على أن الغيبة تعني خفاء الشخص، فإنه يلزم أن يكون القدر المتيقن منه ما ذكر، أما لو بني على أن المقصود منها، هو خفاء العنوان، فلا وجه للتمسك بالقدر المتيقن، لأنه لن يكون في البين شك أصلاً، فتدبر. مضافاً إلى أن قوله: يعرفهم ولا يعرفونه، لا يستقيم والحمل على الغيبة الصغرى، لأن بعض الناس كانوا يعرفونه فيها، دون الغيبة الكبرى، فإنه لا يعرفه أحد، فتدبر.

نعم لو كان مقصود المستشكل ما تقدم ذكره من أن المورد من صغريات خبر الثقة في الموضوعات، والشك في شمول الشهادة الصادرة منه لمثل زمان الغيبة الكبرى، كان له وجه، فلاحظ.

ومنها: ما رواه عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: يفقد الناس إمامهم فيشهدهم الموسم، فيراهم ولا يرونه[10].

ولا تقصر دلالته على المدعى عن سابقيه، فإنها واضحة، لأن المقصود من قوله(ع): فيشهد الموسم، يعني فيشدهم في الموسم. إلا أن الكلام في سنده، فقد أشتمل على يحيى بن المثنى، وهو مجهول، كما أنه تضمن الفزاري، وهو جعفر بن محمد بن مالك، وقد اختلف فيه، فقد نص النجاشي على كونه ضعيفاً في الحديث، وحكى عن أحمد بن الحسين أنه كان يضع الحديث، ويروي عن المجاهيل، وأنه قد سمع من قال عنه بأنه فاسد المذهب والرواية.

وقد تعجب(ره) كيف روى عنه شيخه النبيل الثقة أبو علي بن همام، وشيخه الجليل الثقة أبو غالب الرازي(ره)[11].

وقد ذكر النجاشي تضعيف ابن الوليد وابن نوح والصدوق له في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى.

وقال عنه ابن الغضائري: كذاب، متروك الحديث جملة، كان في مذهبه ارتفاع، ويروي عن الضعفاء والمجاهيل، وكل عيوب الضعفاء محتمعة فيه.

ومع أن شيخ الطائفة(ره)، حكى تضعيف الصدوق(قده)، إياه في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى، إلا أنه حكم بوثاقته في رجاله، فقد ذكره في من لم يرو عنهم(ع)، وقال عنه أنه كوفي ثقة، ويضعفه قوم.

وعليه سوف تقع المعارضة بين التوثيق والتضعيف، وقد ذكروا في علاج ذلك محتملات، نشير إليها إجمالاً، والتفصيل يطلب من محله:

منها: أن يكون التقديم للتعديل، دون نظر لمن هو المعدل.

ومنها: أن يكون التقديم للجرح دون نظر لمن هو الصادر منه الجرح.

ومنها: أن يلحظ القائل، بحيث يكون التقديم لمقول شخص من دون فرق بين كون الصادر منه تعديلاً، أو جرحاً، فيقدم قول النجاشي مثلاً أياً ما كان الصادر منه، وهو مختار بعض الأعاظم(ره)، كما يظهر من موسوعته الرجالية، والتي منها المقام، فقد عمد إلى البناء على ضعف الفزاري، ترجيحاً لمختار النجاشي على توثيق الشيخ(ره)[12].

والحق هو تمامية ما أختاره بعض الأعاظم(ره) في المقام، من البناء على ضعف الفزاري، لكن لما سلكه من طريق، وإنما لأنه قد ثبت في محله صحة نسبة كتاب الضعفاء لابن الغضائري، وأنه لا يوجد ما يمنع من الاستناد إلى تضعيفاته، وأنه المقدم على بقية الكتب الرجالية،فإن مقتضى ذلك هو البناء على ضعفه، فلاحظ.

كما أن سنده قد اشتمل على إسحاق بن محمد، ويحتمل أن يكون من أصحاب الإمام الكاظم(ع)، وقد نص على وثاقته في رجال الشيخ(ره)، فلاحظ.

وبالجملة، إن الضعف السندي مانع من الاستناد للخبر المذكور في إثبات المدعى، فلاحظ.

ثم إن الظاهر أن شيخنا الصدوق(ره) قد روى الخبر المذكور بطريقه عن شيخنا الكليني(قده)، لأن الرواية نفسها موجودة في الكافي[13]، فلاحظ.

ومنها: خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله(ع) قال: للقائم غيبتان، يشهد إحداهما المواسم، يرى الناس ولا يرونه[14].

ولا يذهب عليك أن الخبر قد تضمن ذكر غيبتين للإمام(عج)، وأنه يحضر الموسم في إحداهما، من دون تحديد لها، وأنها الغيبة الصغرى، أو الغيبة الكبرى.

ولا يبعد البناء على أن المقصود بها الغيبة الكبرى دون الصغرى لما عرفت في ما تقدم من أنه كان معروفاً ولو في الجملة لبعض الناس في الغيبة الصغرى، وهذا ما لا يتوفر في الغيبة الكبرى، وهذا يعني أن ذيل الخبر يصلح أن يكون قرينة موجبة لتحديد الغيبة التي يحضر المواسم فيها، فتدبر.

إلا أن المشكلة في سند الخبر، فإنه يشتمل على يحيى بن المثنى وقد عرفت حاله في الخبر السابق، فلاحظ.

ومنها: خبر زرارة قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: إن للقائم غيبتين يرجع في إحداهما والأخرى لا يدرى أين هو؟ يشهد المواسم، يرى الناس ولا يرونه[15]. ودلالتها على المدعى واضحة، فقد تضمن الخبر المذكور أموراً ثلاثة:

الأول: أن للمولى(روحي لتراب حافر جواده الفداء) غيبتين، وقد ذكر(ع) ما يميز إحداهما عن الأخرى، فإنه يرجع في إحداهما، ولا يدرى أين هو في الأخرى.

وللعلامة المجلسي(قده) في بيان المقصود من الرجوع، احتمالان:

أحدهما: أن يكون المقصود من رجوعه، أي رجوعه إلى بعض خواص مواليه، وسفرائه.

ثانيهما: أن يكون المقصود من رجوعه، هو وصول خبره إلى الخلق جميعاً[16].

ولا يذهب عليك اختلاف المعنى الظاهر من الخبر وفقاً لكل واحد منهما، فإنه سوف يكون على وفق الاحتمال الأول أن ذلك في زمان الغيبة الصغرى، وهذا بخلافه على وفق المحتمل الثاني، فلاحظ.

الثاني: أنه يشهد المواسم، وهذا يعني حضوره وقت الحج.

الثالث: أنه يرى الناس، ولا يرونه، وذلك لأن الغيبة من باب خفاء العنوان، وليس خفاء الشخص.

إلا أن المشكلة في سنده، فقد اشتمل على الحسن بن أيوب، وهو لم يوثق توثيقاً خاصاً، نعم حكم بعض الأعاظم(ره) بوثاقته لوقوعه في أسناد تفسير القمي[17]، وقد عرفت منا في محله منع هذا الوجه، فلاحظ. كما أنه تضمن أيضاً أحمد بن علي الحميري، وهو أحمد بن علي بن حكم الحميري الصيدي، وليس في المقام ما يوجب الحكم بوثاقته، إلا أن بعض الأعاظم(قده)[18]، أستظهر من عبارتي النجاشي والشيخ(ره) أنه من المعاريف، ومن ثمّ بنى على وثاقته، وذلك لأن من يكون من المعاريف يكون قد بلغ مرتبة استغنى فيها أن يعمد إلى شرح حاله، وبيانه.

وقد تكرر منا أننا لم نجد وجهاً صناعياً لتمامية الكبرى المذكورة، أعني وثاقة المعاريف، ليكون الحديث بعدها في الصغرى، ولعله يكفي للتوقف في تماميتها، عدم وضوح المعيار في انطباق المفهوم على صغرياته، فيحكم بكون هذا الراوي من المعاريف، أو لا. وقد وجدنا شيخنا التبريزي(ره) في بعض تطبيقاته يتفاوت سعة وضيقاً، وإفراطاً وتفريطاً، فتدبر.

ومنها: ما رواه الطبري في دلائل الإمامة، قال أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون، عن أبيه أبي محمد هارون بن موسى، قال حدثنا أبو علي محمد بن همام، قال حدثنا علي بن محمد الرازي، عمن رواه، عن أبي عبد الله، قال: العام الذي لا يشهد صاحب هذا الأمر الموسم، لا يقبل من الناس حجهم[19].

ولا يخفى أنه يستفاد منه حضور المولى(روحي لتراب حافر جواده الفداء) موسم الحج، وأن وجوده أحد عوامل القبول. إلا أنه يشكل الجزم بكون حضوره في كل عام، ويساعد على ذلك ما ذكره من في الذيل من تعليق القبول على حضوره، فإن مقتضاه إمكانية عدم الحضور، وإن شئت فقل، إن مجرد وجود الإمكان الثبوتي لعدم الحضور، قد يساعد على تحققه في عالم الإثبات، فتدبر.

وبالجملة، إن القدر المتيقن من الخبر، هو تحقق الحضور منه، إلا أن الجزم بأنه في كل عام، من الصعوبة بمكان، لعدم وضوح دلالة الخبر على ذلك.

وعليه، سوف يكون الخبر المذكور غير تام الدلالة على المدعى، لأن الدعوى حضوره الموسم في كل عام، وقد عرفت عدم دلالة الخبر المذكور على ذلك. مضافاً إلى أنه ضعيف سنداً، لكونه مرسلاً، وليس المرسل ممن يعول على إرساله.

وقد تحصل من جميع ما تقدم، أنه لا يمكن الجزم بكونه(بأبي وأمي) يحضر الموسم في كل عام، خصوصاً وأنه لا يوجد عندنا ما يدل على ذلك، إلا ما احتملناه من توجيه في مروية العمري(رض)، من كفاية خبر الثقة في الموضوعات إذا أفاد وثوقاً واطمئناناً، وهو غير بعيد، فلاحظ.

هذا وقد يقال: بأن النصوص التي تضمنت حضوره الموسم، وإن كانت ضعيفة الأسناد، ولم تبلغ حد التواتر، إلا أنها مستفيضة، وهذا يوجب البناء على حجيتها، والالتزام بثبوت المدعى، وهو حضوره(بأبي وأمي) في الموسم كل عام.

قلت: إن الخبر المستفيض لا يخرج عن كونه خبر آحاد، نعم هو أعلى رتبة في تحصيل الوثوق منه، وعليه، فلا مانع من حيث الكبرى، أن يحكم بما يدل عليه الخبر المستفيض، ويتحقق الوثوق بمضمونه، إلا أن النقاش في صلوح المقام كصغرى، إذ أن لنصوص الموجودة لا ترقى لأن تكون أخباراً مستفيضة، فإن عددها محدود جداً، كما أن جملة منها يعود لبعضها البعض، ما يوجب القلة فيها بصورة جلية، فكيف يحكم بتحقق الاستفاضة فيها. على أن أهمية الموضوع، توجب أن يكون من الوضوح بمكان، وهذا يستوجب أن تكون النصوص الصادرة فيه أكثر من هذا، وقلة النصوص باعثة على التوقف ومزيد التأمل، فلاحظ.

نعم لو قيل، إن مناسبات الحكم والموضوع من جهة، واشتهار حضوره(عج) في الموسم كل عام حتى بين عوام الشيعة، فضلاً عن علمائهم من جهة أخرى، ووجود هذه النصوص، وإن كانت قليلة لسبب الظرف الموجب لحمايته والحفاظ عليه، من أن يترصد له أعدائه من جهة ثالثة، توجب الوثوق عند الفقيه للبناء على أنه موجود في الموسم كل عام، خصوصاً مع البناء على أن حقيقة الغيبة لا تعني خفاء الشخص، وإنما يقصد بها خفاء العنوان، كما عرفت، فتأمل جيداً.

[1] وسائل الشيعة ب 18 من أبواب النيابة ح 1.

[2] وسائل الشيعة 49 من أبواب الطواف ح 3.

[3] لشيخنا التبريزي(قده) في كتابه التهذيب، تقريب لدلالة هذه النصوص لتدل على مشروعية النيابة في الطواف المستحب عمن كان حاضراً في مكة وهو معذور، ليس هذا محل ذكره، ذكرناه في بحثنا حول هذه المسألة، فلاحظ.

[4] من لا يحضره الفقيه ج 2 باب نوادر الحج ح 3115 ص 321.

[5] إكمال الدين وإتماما لنعمة ج 2 ص ، بحار الأنوار ج 52 باب من أدعى الرؤية في الغيبة الكبرى وأنه يشهد ويرى ح 4 ص 152.

[6] من لا يحضره الفقيه ج 2 باب نوادر الحج ذيل الحديث 3115.

[7] إكمال الدين وإتمام النعمة ج 2 ص ، بحار الأنوار ج 52 باب من أدعى الرؤية في الغيبة الكبرى وأنه يشهد ويرى ح 4 ص 152.

[8] بحار الأنوار ج 52 ص 152.

[9] بحوث في شرح مناسك الحج ج 8 ص 417.

[10] إكمال الدين وإتمام النعمة ج 2 ص 16، بحار الأنوار ج 52 باب من أدعى الرؤية في الغيبة الكبرى وأنه يشهد ويرى ح 2 ص 151.

[11] رجال النجاشي برقم 313 ص 122.

[12] معجم رجال الحديث ج 5 89.

[13] أصول الكافي ج 2 باب في الغيبة ح 6 ص 150.

[14] الكافي ج 2 باب في الغيبة ح 12 ص 155.

[15] كتاب الغيبة للشيخ النعماني ص ، بحار الأنوار ج 52 باب من أدعى الرؤية في الغيبة الكبرى وأنه يشهد ويرى ح 16 ص 156.

[16] بحار الأنوار ج 52 ص 156.

[17] معجم رجال الحديث ج 5 ص 276.

[18] المصدر السابق ج 2 ص 178.

[19] دلائل الإمامة ص 261.