29 مارس,2024

بشرية الإمامة(5)

اطبع المقالة اطبع المقالة
  • بشرية الإمامة(5)

أدلة نظرية العلماء الأبرار:

بقي أن نشير في الختام إلى ما يمكن أن يكون مستنداً لما تمسك به الكاتب من الاستدلال لنظرية العلماء الأبرار، ومع أنه قد اتضح عدم تماميتها من خلال ما تقدم، إلا أنه تأكيداً لذلك، نعقب بصورة موجزة على النص المذكور، بأنه ليس في مقام البيان من هذه الجهة حتى يتمسك به لنفي الأمور الأربعة التي وردت في كلامه، وهذا يلحظه كل من تأمل فيها.

 

رواية ابن أبي يعفور:

قد يستدل لنظرية العلماء الأبرار، بحادثة ابن أبي يعفور مع المعلى بن خنيس، والتي رواها أبو العباس البقباق، قال: تدارأ ابن أبي يعفور والمعلى بن خنيس، فقال ابن أبي يعفور: الأوصياء علماء أبرار أتقياء. وقال ابن خنيس: الأوصياء أنبياء. قال، فدخلا على أبي عبد الله(ع)، قال: فلما استقر مجلسهما، بدأهما أبو عبد الله(ع)، فقال: يا أبا عبد الله ابرأ ممن قال، إنا أنبياء[1]. وتقريب دلالتها على المطلوب من خلال رفض ابن أبي يعفور أن يكون أهل البيت(ع) أنبياء، بحيث لا يكون لهم ما للأنبياء من المقامات، فليسوا منصوبين من قبل الله تعالى، ولم يرد في شأنهم نص شرعي، كما أنهم لا يعلمون الغيب، وليسوا معصومين، وإنما هم علماء أبرار اتقياء، لا يختلفون عن بقية العلماء في شيء.

 

ولا يخفى أن تمامية الاستدلال بها تعتمد اعتماداً كلياً على أن يكون المقصود من مصطلح العلماء الوارد في النص في عصر صدور النص هو عين ما هو الموجود عندنا، فلا يكون فرق بين الاستعمالين، فكما أنه يستعمل اليوم في غير المعصوم، الذي لا يعلم الغيب، ولا يكون منصوباً من الله تعالى، وليس منصوصاً عليه، بل هو  يملك العلم الكسببي، كذلك كان استعماله في عصر الأئمة الأطهار(ع)، أما لو كان استعماله في تلك الفترة مغايراً لما هو عليه اليوم، على أساس أنه قد نقل مثلاً، فلن يكون النص المذكور دالاً على مطلوب أصحاب النظرية المذكورة.

 

معنى العالم في النصوص:

ومن الواضح أنه حتى يمكن تحديد المقصود من لفظ العلماء الوارد ذكره في النص، يلزم ملاحظة النصوص وضم بعضها إلى بعض لتشكل قرينة موجبة لتحديد المقصود منه، خصوصاً وأن هذا التعبير قد شاع في كلمات الأئمة الأطهار(ع) منذ عصر الإمام الباقر(ع)، وإن كان موجوداً قبل ذلك أيضاً، إلا أنه لم يرد شرح لهذا المصطلح في شيء من تلك الموارد التي ورد فيها، مع أن النصوص التي تضمنت التعبير بهذا المصطلح كانت تكشف عن الحالة الفكرية التي كان عليها أصحاب الأئمة الأطهار(ع)، كما سيتضح إن شاء الله تعالى، والتساؤلات التي كانت عندهم بشأن مرتبة العلم الموجودة عند الإمام(ع)، ومنـزلته.

 

وكيف ما كان، فإن المراجع للنصوص، يجدها تقسم الناس إلى ثلاثة أصناف:

الأول: العالم.

الثاني: المتعلم.

الثالث: الغُثاء[2].

والثالث من هذه الأقسام يشير للهباء، والزبد، وهو الذي تتقاذفه الأمواج نحو شتى الاتجاهات، من دون أن يملك قراراً في اتجاه محدد. وقد عبر عنه في بعض كلمات أمير المؤمنين(ع)، بالهمج الرعاع.

 

وأول هذه الأقسام هو موضع البحث، ومحط النظر، وهو مفهوم العالم الذي أشير إليه في رواية ابن أبي يعفور، وكما سمعت أن تحديد المقصود منه يستدعي ملاحظة بقية النصوص الأخرى التي تضمنت التعبير المذكور أيضاً.

فمن النصوص، ما ورد عن الإمام أبي عبد الله الصادق(ع)، أنه قال: نحن علماء، وشيعتنا متعلمون[3]. وهي تثبت أن المصداق الحقيقي للعالم هم خصوص الأئمة الأطهار(ع).

وقد اعتبر(ع) في رواية أخرى العلماء ورثة الأنبياء، ومن المعلوم أنه لا يقصد من وراثتهم لهم وراثة مادية، وإنما يقصد من الوراثة الوارثة المعنوية التي تتمثل في وراثة أحاديثهم، وكلماتهم، وعلومهم. وقد ذُكر أن المقصود بورثة الأنبياء، الأئمة الأطهار(ع)، لأنهم المصداق الحقيقي للعلماء.

وقد تحدث أمير المؤمنين(ع)، عن حال الناس بعد رسول الله(ص)، ومن أين استقوا علومهم، فقسم الناس إلى ثلاثة أقسام:

 

الأول: الذين رجعوا إلى عالم قد وضعه الله سبحانه وتعالى على مسير الهداية، وقد استغنى بعلم الله سبحانه عن علوم الآخرين.

الثاني: من رجع إلى جاهل، يدعي معرفة العلم، وليس كذلك.

الثالث: من رجع منهم إلى عالم، قد أخذ علمه من عالم حقيقي آخر.

 

وهذا النص يتوافق كثيراً مع النص الأول الذي نص على أن المصداق الحقيقي للعالم هم الأئمة(ع)، لأن رواية أمير المؤمنين(ع)، تثبت أن العالم هو الذي وضعه الله تعالى على مسير الهداية، بحيث صار مستغنياً بعلم الله سبحانه عن علوم الآخرين.

وبالجملة، إن المهم في النص العلوي هو ملاحظة مصدر العلم، وأهميته، الذي قد أخذ قيداً معتبراً في مفهوم العالم.

 

وقد أكد الأمام الباقر(ع) على أهمية أن يتعلم المؤمنون علمهم من حملة العلم دون غيرهم، قال(ع): تعلموا العلم من حملته، وعلموه إخوانكم كما أخذتموه من العلماء.

ووفقاً لما تقدم، يمكن القول بأن المقصود من العالم في النصوص هو الذي يأخذ علمه من مصدر إلهي، بحيث يستغني بهذا العلم عن الآخرين، ومع أن الأئمة(ع) هم المصداق الأكمل لهذا التعريف فإنه يمكن اعتبار الذين توصلوا إلى هذه العلوم من طريق الأئمة علماء أيضاً، فسلمان عبر عنه في النصوص أنه من العلماء، مع أنه متعلم، وليس عالماً، إلا أنه لما كان علمه مأخوذاً من المصدر الأصيل، فقد صح إطلاق مفهوم العالم عليه.

 

رؤيتان في حقيقة العالم:

وعلى أي حال، فإن التدقيق في النصوص التي تضمنت التعبير بكلمة العالم، يفيد وجود رؤيتين مختلفتين عند أصحاب الأئمة الأطهار(ع)، ما يوجب وقوع المعارضة بينهما، نعم هما تؤكدان على أن العالم هو الذي يحصل على التعليم الإلهي، إلا أن بعض النصوص قد جعلت ذلك من مختصات الإمام، وتضمن الآخر العمومية للجميع، والرؤيتان هما:

 

الأولى: ما يستفاد من بعض النصوص كالرواية الثانية من أن العالم الحقيقي هو الذي يأخذ علمه من الله سبحانه وتعالى مباشرة، وهذا يوجب انحصاره في خصوص الأئمة الأطهار(ع)، أما الأخرون فيأخذون هذا العلوم منهم(ع)، وهذا يعني أنه متى أطلق مصطلح العلماء على غيرهم كان إطلاقه من باب المجاز.

 

الثانية: ما هو المستفاد من جملة أخرى من النصوص كالرواية الثالثة، والتي تفيد أنه يمكن للآخرين غير الأئمة(ع) أن يحصلوا على العلم من خلال التعليم الإلهي المباشر، فضلاً عن الأئمة(ع)، ما يعني صحة إطلاق مصطلح العالم عليهم جميعاً.

وقد جمعت الرواية الأولى المتقدمة كلتا الرؤيتين. وتحديد أي الرؤيتين هو المتعين، يحتاج مزيداً من التأمل، وتدقيقاً أكثر لا يسعه هذا المختصر. على أنه حتى لو بني على الرؤية الثانية، فإن ذلك لا ينفي إطلاق مصطلح العالم على المعصومين(ع)، وإنما سيكون استعمال المصطلح من المشترك اللفظي، أو المشترك المعنوي، وهذا يستدعي وجود قرينة موجبة لتحديد المقصود منه حال الاستعمال، والظاهر من ملاحظة موارد متعددة كون المقصود منه الأئمة الأطهار(ع).

 

كلام ابن أبي يعفور:

ولا يخفى أن تحديد المقصود مما ورد في لسان ابن أبي يعفور في منازعته مع معلى بن خنيس، وفي مقابله، على معرفة التيارات والاتجاهات الفكرية لأصحاب الأئمة(ع) حول موضوع علم الإمام، ومن ثمّ معرفة موقع هاتين الشخصيتين في هذه الاتجاهات. فقد أوجبت كثرة النصوص المرتبطة بعلم الإمام، واختلاف المقدمات الفكرية والذهنية لأصحاب الأئمة(ع) احتدام الخلاف فيما بينهم حول هذا البحث، وقد كان أهم سؤال يرتبط بعلم الإمام، هو السؤال عن مصدر علمه، وأنه يتصل بالملائكة، مثل النبي(ص)، أو أنه قد تعلم ذلك من خلال النبي(ص).

وقد نشأت أهمية السؤال في ذهن بعض أصحابهم(ع) على أساس أنه إذا قبل بالإجابة الأولى، وبني على أن مصدر علوم الإمام نتيجة اتصاله بالملائكة، فلن يكون هناك فرق بين النبي والإمام، وهذا لا ينسجم مع ختم النبوة.

وعلى أي حال، فقد نتج عن الإجابة عن السؤال المذكور وجود اتجاهات ثلاثة مختلفة بين أصحاب الأئمة الأطهار(ع):

 

الأول: الجماعة التي تؤكد على ختم النبوة، وتنفي أي نوع من أنواع الارتباط بين الإمام والملائكة، وقالت أن علم الأئمة الأطهار(ع) مقتبس من علم النبي(ص).

وقد كان من أصحاب هذا الاتجاه هشام بن الحكم، وسدير الصيرفي، يونس بن عبد الرحمن، والفضل بن شاذان.

 

الثاني: الجماعة التي سلمت بختم النبوة، إلا أنها لا تمانع أن يكون الإمام مستفيداً علومه من العلوم السماوية، وأنه مرتبط بالملائكة، وقد دعى هذا إلى وجود مصطلح الإلهام، والتحديث مقابل الوحي، وعليه، فإن هذه الجماعة تقرر أنه(ع) يسمع صوت الملك فقط ولا يراه، فيكون مغايراً للنبي(ص) الذي يسمع صوت الملك ويراه. وحتى يؤكد أصحاب هذا الاتجاه الفرق بين النبي والإمام، عمدوا إلى إطلاق مصطلح العالم على الإمام.

 

وقد مثل هذا الاتجاه كل من زرارة بن أعين، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية، وغيرهم. فهذا حمران بن أعين، يسأل الإمام الباقر(ع) عن منـزلة العلماء؟ فيجيبه(ع): إن العلماء من قبيل ذي القرنين، وصاحب سليمان، وصاحب موسى[4]. ولا ريب أن مقتضى تشبيه العلماء بوصي سليمان، ووصي موسى(ع) يكشف عن أن المقصود من العلماء ليس مطلق أهل العلم، وإنما فئة خاصة، وهم الأئمة الأطهار(ع).

 

ويظهر هذا جلياً من رواية الحارث بن المغيرة مع الإمام الباقر(ع)، فقد سمع الحارث بن المغيرة من الإمام الباقر(ع) أن علياً محدث، فسأله قائلاً: هل تريد القول إنه كان نبياً؟ فقال الإمام(ع): لا، بل هو مثل صاحب سليمان، وصاحب موسى، أو ذي القرنين[5].

والحاصل، إنه يمكن البناء على أن منشأ استعمال مصطلح العلماء في لسان جملة من النصوص، ومن ثم وجوده في كلمات الرواة، كانت غايته التفريق بين النبي والإمام، كما أن هذا يساعد على معرفة منشأ انحراف جملة من الرواة عن الجادة القويمة كأبي الخطاب، وغيره، وذلك لعدم قدرتهم على فهم مصطلح المحدث، واستيعابه.

 

الثالث: من بنى على أن النبوة قد ختمت برحلة النبي(ص) عن عالم الدنيا، إلا أنه لا يوجد أي محذور في أن يكون مصدر علم الإمام نتيجة اتصاله بالملائكة، وأنه كما يمكنه أن يسمع صوت الملك، فإنه يمكنه رؤيته أيضاً. ويمكن عدّ المعلى بن خنيس وفقاً لما دار بينه وبين ابن أبي يعفور من أصحاب هذا الاتجاه، وأنه لم يكن يرى فرقاً بين الإمام والنبي(ص)، لا أنه يرى أن الأئمة(ع) أنبياء.

ولا يخفى أن الاتجاهين الثاني الثالث متداخلان، وإن كانا يختلفان في رؤية الإمام للملك، وعدم رؤيته له، بل سماعه لصوته فقط.

 

وكيف ما كان، فإن النتيجة المستخلصة مما تقدم تفيد أن الغاية التي من أجلها وجد مصطلح علماء والعالم في كلمات أصحاب الأئمة(ع)، بل الأئمة(ع) أنفسهم بغرض محاربة انحراف عقدي وجد في الوسط الاجتماعي. وهذا يعني أنه أجنبي تماماً عما يروم الكاتب ومن حذى حذوه الوصول إليه، وبالتالي التمسك به لإثبات دعاواه. ويتضح هذا من خلال الوقوف على أن ابن أبي يعفور كان من أصحاب الاتجاه الثاني، ومن المؤمنين به، ويشهد لذلك نصان:

 

أحدهما: ما ورد من أنه سأل الإمام الصادق(ع)، هل هناك بينكم من هو مثل الإمام علي؟-يعني أنه محدث-وقد أعرض الإمام(ع) عن جوابه، واكتفى بتكرار كلام ابن أبي يعفور، أن علياً محدث، وقال له: في معركة بني النضير كان جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره[6]. ويستفاد من جواب الإمام(ع) قبوله بكون الإمام محدثاً، وإلا لا معنى لوجود الملكين العظيمين إلى جوار أمير المؤمنين في تلك المعركة. نعم عدم تصريح الإمام(ع) بثبوت هذه المنـزلة له(ع)، ربما يعود لكونه يعيش جو تقية حالت دون التصريح بذلك، فتأمل.

وبالجملة، إن مقتضى وحدة الملاك، وعدم الخصوصية تستدعي أن تكون صفة التحديث الثابتة لأمير المؤمنين(ع)، ثابتة لبقية الأئمة(ع)، وهذا ما كان يعتقده ابن أبي يعفور.

 

ثانيهما: ما رواه عن أبي عبد الله الصادق(ع) أنه قال: يا ابن أبي يعفور، إن الله واحد متوحد بالوحدانية، متفرد بأمره، فخلق خلقاً فقدرهم لذلك الأمر، فنحن هم، يا ابن أبي يعفور، فنحن حجج الله في عباده، وخزانه على علمه، والقائمون بذلك[7].

وقد تحصل مما تقدم، أن الرواية المذكورة أجنبية تماماً عما يريد الكاتب الوصول إليه، وأنها لا ربط لها بما هو بصدد اثباته. لأن الظاهر أن النـزاع الذي كان بين المعلى وابن أبي يعفور يدور في فلك مصدر علم الأئمة(ع)، وليس في أنهم يعلمون الغيب أو لا يعلمونه، كما توهمه الكاتب.

 

مصطلح الأبرار الأتقياء:

ومع أنه قد اتضح من خلال ما تقدم، أن الرواية التي ربما حاول البعض الاستناد إليها في إثبات نظرية العلماء الأبرار، أجنبية عن المدعى، وأن المقصود من لفظ العلماء الوارد فيها لو لم يكن هو خصوص المعصومين(ع)، فلا أقل من أن القرينة موجودة على ذلك بعد البناء على كونه من المفاهيم المشتركة. واستكمالاً للفائدة، نشير سريعاً للمقصود من الأبرار، والاتقياء الذي ورد ذكرهما في الرواية.

 

وعند العودة للنصوص، نجد أن هذين التعبيرين قد وردا في طائفتين من النصوص:

الأولى: ما يظهر منها اختصاص هذين المفهومين بخصوص الأئمة الأطهار(ع)، دون من سواهم. كما يظهر هذا من النصوص التي فسرت قوله تعالى:- (كرام بررة)[8]، بأيدي الأئمة الكرام البررة[9].

الثانية: ما يظهر منها الشمول لغيرهم، وأنهما يطلقان عليهم كما يطلقان على غيرهم، كما في خطبة أمير المؤمنين(ع)، في تعريف المتقين لهمام، حيث جاء فيها: أما النهار فحكماء، علماء أبرار، أتقياء[10].

 

وهذا يوجب الحاجة للجمع العرفي والتوفيق بينهما، بناء على وقوع المعارضة، وقد جمع بينهما بالتخصيص، فتكون الطائفة الأولى من النصوص مخصصة للطائفة الثانية، ليكون الأئمة الأطهار(ع)، هم المصداق الأوحد لهذين الوصفين.

ويصعب القبول بمثل هذا الجمع، لعدم المنافاة بين الطائفتين، والحاجة للجمع العرفي بعد البناء على وقوع المعارضة بينهما.

 

نعم لا يبعد البناء على أن المفهومين المذكورين من المفاهيم المشككة، وهذا يعني أن لهما درجات، وأعلى وأوضح درجاتهما هم الأئمة الأطهار(ع)، وينطبقا على عامة الناس في درجة أقل من ذلك.

وعلى أي حال، فإن الذي ينبغي تسليط الضوء عليه، هو بيان المقصود من المصطلح المذكور حال استعماله في شأن الأئمة الأطهار(ع).

 

والظاهر أن هذا المصطلح يشير إلى ثبوت مفهوم العصمة بالنسبة إليهم(ع)، وأنهم معصومون من كل خطأ وذنب ومعصية، ويساعد على ذلك أن أغلب النصوص التي تضمنت وصفهم(ع) بالعلماء الأبرار تضمنت ذكر صفات أخرى لهم، وعلى رأسها صفة العصمة، وهذا لا يعني أن صفة العصمة المستفادة قسيمة لصفة الأبرار، والاتقياء، بل هي مستقاة من الصفات التي تضمنها النص من كونهم أبراراً، وأتقياء، وأموراً أخرى. ففي زيارة الإمام الحسين(ع): صلى الله عليك وعلى أهل بيتك وعترة آبائك الأخيار الأبرار الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً[11].

 

وهذا ما كان يعتقده ابن أبي يعفور ويقصده من وصفهم(ع) بكونهم علماء أبراراً، كما يظهر ذلك من رواية أخرى له، فقد جاء عنه أنه قال لأبي عبد الله(ع): والله، لو فلقت رمانة بنصفين، فقلت: هذا حرام، هذا حلال، لشهدت أن الذي قلت: حلال حلال، وأن الذي قلت حرام حرام، فقال: رحمك الله، رحمك الله[12].

 

ومن الواضح أن هذا التسليم المطلق من ابن أبي يعفور يكشف عما كان يعتقده في الإمام(ع)، وأن ما يصدر عنه لا يقبل الخطأ، وهذا يثبت أن الحد الأدنى كونهم(ع) معصومين في بيان الأحكام الشرعية، وأنه لا يصيبهم الخطأ.

وقد تحصل مما تقدم، أن المفاهيم الثلاثة التي تضمنها الحديث المذكور تدل على معاني مختلفة تماماً عما هي عليه اليوم عندنا، فإن مفهوم العالم يشير للإمام، وأن مفهوم الأبرار، والأتقياء يدل على العصمة، وعليه سوف تكون الرواية محل البحث دالة على خلاف مقصود الكاتب، وما كان يريد إثباته[13].

 

 

 

[1] اختيار معرفة الرجال(رجال الكشي) ص 246.

[2] الكافي ج 1 باب أصناف الناس ح 4 ص 34.

[3] المصدر السابق.

[4] الكافي ج 1 ص 268.

[5] الكافي ج 1 ص 269.

[6] بصائر الدرجات ص 322.

[7] الكافي ج 1 ص 193.

[8] سرة عبس الآية رقم 16.

[9] التفسير المنسوب لعلي بن إبراهيم القمي ج 2 ص 405.

[10] تحف العقول ص 159.

[11] كامل الزيارات ص 253.

[12] اختيار معرفة الرجال ص 249.

[13] مجلة نصوص معاصرة العدد 36-37 ص 301-319(بتصرف).