28 مارس,2024

محمد بن إسماعيل (2)

اطبع المقالة اطبع المقالة

 

محمد بن إسماعيل(2)

الثاني: أن يكون محمد بن إسماعيل هو البرمكي:

المعروف بصاحب الصومعة، وقد استند القائلون بأنه هو الواقع في أسناد الكافي إلى أمر واحد، وهو ملاحظة عدد الوسائط بين بعض الأفراد وبين الكليني من جهة، وبينهم وبين البرمكي من جهة أخرى، ومن ثمّ مقايسة الجهتين إلى بعضهما، ليتضح توافق عصر الكليني(ره) مع عصر محمد بن إسماعيل البرمكي، فيكون هو الواقع في أسناد الكافي.

وقد ذكر لذلك نماذج أربع:

أحدها: إن المعروف رواية النجاشي عن الكليني بواسطتين، وروايته عن محمد بن إسماعيل البرمكي بثلاث وسائط، فيتعين أن يكون الذي يروي عنه الكليني هو البرمكي.

أما روايته عن الكليني بواسطتين، فقد ذكر(ره) في ترجمة الكليني، أنه يروى كتبه كلها عن جماعة من شيوخه: محمد بن محمد، والحسين بن عبيد الله، وأحمد بن علي بن نوح، عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه[1].

وأما روايته عن البرمكي، فقد جاء في ترجمته: أخبرنا أحمد بن علي بن نوح، قال: حدثنا الحسن بن حمزة، قال حدثنا محمد بن جعفر الأسدي، عن محمد بن إسماعيل بكتابه[2].

ثانيها: إن الشيخ الصدوق(ره) يروي عن الكليني بواسطة واحدة، وهو يروي عن البرمكي بواسطتين، فيكون الذي يروي عنه الكليني هو البرمكي. فبالنسبة لروايته عن الكليني، فقد جاء في إكمال الدين، في باب ما أخبر به أبو جعفر(ع)، قوله: حدثنا محمد بن عصام(رض)، قال حدثنا محمد بن يعقوب الكليني[3].

وأما بالنسبة لروايته عن البرمكي، فقد جاء في فواتحه: حدثنا علي بن أحمد، قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي[4].

ثالثها: رواية الكشي عنه مرة بواسطة، وأخرى بدون واسطة، ولما كان الكشي قريباً من عصر الكليني، بل قد قيل أنه معاصر له، فيكون من يروي عنه الكشي بلا واسطة، يروي عنه الكليني كذلك.

وقد قيل، بمنع رواية الكشي عنه بلا واسطة، وإن الموجود هو روايته عنه مع الواسطة[5].

ومع تمامية المنع المذكور، لن يكون النموذج الثالث تاماً في إثبات المدعى.

رابعها: إن من الثابت هو معاصرة محمد بن جعفر الأسدي المعروف بأبي عبد الله للبرمكي، كما أن من الثابت معاصرته للشيخ الكليني أيضاً، لأنه توفي قبل وفاة الكليني بقريب من ستة عشر سنة، فعندها يثبت أن البرمكي معاصر للكليني، ما يجعل روايته عنه ممكنة.

وأجيب عنه، أولاً: بأن أقصى ما يستفاد من الوجه المذكور هو الإمكان، وليس الوقوع، ومن المعلوم أن البحث الرجالي يدور مدار الوقوع، وليس مجرد الإمكان، فلاحظ.

ثانياً: إن الكليني، مع أنه قد أكثر النقل عن محمد بن إسماعيل في الكافي، إلا أنه لا يوجد ولا مورد واحد نص فيه على أنه البرمكي[6].

هذا وقد تضمنت كلمات المانعين عن كونه البرمكي ذكر موانع:

الأول: إن ملاحظة الأسناد يكشف عن أن طبقة البرمكي تختلف عن طبقة الكليني، وذلك يمنع أن يروي الكليني عنه بدون واسطة، فإن المتابع لها يجد أن الكليني(ره) يروي عن البرمكي إما بواسطة محمد بن جعفر الأسدي، أو بواسطة محمد بن أبي عبد الله، وهذا في موارد كثيرة.

وفيه: إن مجرد كون الكليني(ره) يروي عنه بواسطة، لا يمنع أن يروي عنه مباشرة، وهذا ليس عزيزاً على من خبر الأخبار. نعم لو قيل، أن البرمكي ليس معاصراً للكليني، بل كان متقدماً عليه، كان ذلك مانعاً من روايته عنه، وأما مع ثبوت المعاصرة، كما أشير لذلك قبل قليل، فلا يوجد ما يمنع أن يروي عنه. ويشهد للإمكان المذكور، رواية الكشي المعاصر للشيخ الكليني(ره) عن البرمكي مباشرة، كما ذكر ذلك الشيخ البهائي(ره)[7].

الثاني: ما جاء في كلام السيد التفرشي(ره) في حاشية نقد الرجال، من أن البرمكي، ممن لقي أصحاب أبي عبد الله الصادق(ع)[8]، كما يظهر ذلك من فهرست النجاشي في ترجمة عبد الله بن داهر.

وهو عجيب، فإن مقتضاه أن لا تزيد الوسائط بين البرمكي وبين الإمام الصادق(ع) على واسطتين، مع أن المتابع للأخبار يجد أن الوسائط بينهما لا تقل عن خمس وسائط.

على أنه لو كان كما ذكر، فما هو السبب الذي منع الشيخ(ره)، وكذا العلامة وابن داوود(ره)، أن يذكروه في أصحاب الإمام الصادق(ع).

وقد عدّ صاحب جامع الرواة رواية محمد بن إسماعيل البرمكي عن عبد الله بن داهر، إما اشتباهاً من النجاشي، أو نساخه، لأن محمد بن يعقوب قد روى عن محمد بن أبي عبد الله عن محمد بن إسماعيل بثلاثة وسائط عن أبي جعفر الثاني(ع)، وبأربعة وسائط عن الرضا(ع)، وبستة وسائط عن أبي عبد الله(ع)…[9].

الثالث: ما ذكره بعض الأعاظم(ره)، من أنه لم يرو محمد بن إسماعيل البرمكي، ولا رواية عن الفضل بن شاذان، وهذا يثبت أنه غير من يروي عن الفضل جزماً[10].

ولم يتضح وجه الجزم المذكور، إذ أن الوارد في الأسناد غالباً هو محمد بن إسماعيل، وهو كما يحتمل انطباقه على النيسابوري يحتمل انطباقه على البرمكي، وليس في البين ما يوجب الجزم بأحدهما، بل الأمر يعتمد على ملاحظة ما يوجب التعيـين والتميــيز، هذا أولاً.

ثانياً: إن نفي وجود رواية له عنه، تحتاج إلى دليل، ومجرد تعين الراوي عن الفضل في النيسابوري، لا ينفي احتمال كونه البرمكي، وبالتالي يبقى احتمالية كون الراوي عنه هو البرمكي واراداً.

والحاصل، إن الإمكان لكون الواقع في الأسناد هو البرمكي موجوداً، كإمكان كونه النيسابوري، والمانع في كل منهما مفقوداً، إلا أن الجزم بتعين أحدهما دون الآخر من الصعوبة بمكان. نعم قد يدعى أنه خصوص البرمكي، وليس النيسابوري، على أساس أن البرمكي أكثر معروفية من النيسابوري، حتى أنه قد نص على توثيقه، دون النيسابوري، ومع البناء على مختار بعض الأعاظم(ره)، من الانصراف في مثل هكذا موارد، لمن يكون مشهوراً، يتعين فيه.

وهذا وإن كان قوياً، إلا أن الجزم به لا يخلو عن صعوبة، فلا مناص من التوقف.

الثاني: شرح حاله من حيث الوثاقة:

ثم إنه لو بني على تميــيز محمد بن إسماعيل، وتشخصه، فهل يمكن البناء على وثاقته، والاعتماد على مروياته.

يقع الكلام تارة في البرمكي، وأخرى في النيسابوري.

أما البرمكي:

فقد ذكره النجاشي في رجاله، ونص على كونه ثقة، قال في ترجمته: محمد بن إسماعيل بن أحمد بن بشير البرمكي، المعروف بصاحب الصومعة، أبو عبد الله، سكن قم، وليس أصله منها، ذكر ذلك أبو العباس بن نوح، وكان ثقة مستقيماً، له كتب منها كتاب التوحيد.

وضعفه ابن الغضائري، فقال: محمد بن إسماعيل البرمكي، أبو جعفر المعروف بصاحب الصومعة.

وحكم بعض الأعاظم(ره) بوثاقته، لمختاره من عدم ثبوت نسبة كتاب الضعفاء لابن الغضائري[11].

وكذا قد يلتـزم بذلك من يقول بثبوت النسبة، لكنه يبني على أن تضعيفاته حدسية وليست حسية، فلاحظ.

ووفقاً لما ذكر في محله، من ثبوت نسبة الكتاب لابن الغضائري، وأنه لا مانع من البناء على التضعيفات الواردة فيه، فعندها سوف تقع المعارضة بين توثيق النجاشي وتضعيفه، والنتيجة، البناء على عدم مقبولية مروياته، وفقاً لما يقرر في محله من علاج للمعارضة المذكورة.

النيسابوري:

وهذا لم يرد فيه توثيق خاص، إلا أنه قد يعمد إلى توثيقه استناداً لبعض التوثيقات العامة:

منها: وقوعه في أسناد كامل الزيارات، وقد شهد ابن وقوليه بوثاقة جميع من وقع في أسناد الكتاب المذكور.

ولا يخفى أن الوجه المذكور، يشكل قياساً منطقياً من الشكل الأول، كبراه، وثاقة جميع من وقع في أسناد كتاب الكامل. وصغراه، لما كان النيسابوري من الواقعين في أسناد الكتاب، يبنى على وثاقته.

ومنها: تصحيح مجموعة من الفقهاء كالعلامة(ره) روايات كثيرة قد وقع في طريقها، بل في المعراج: إطباق الأصحاب على الحكم بصحة حديثه إلا ابن داود[12]. ويمكن تقريبه بأحد بيانين:

الأول: يتفق الجميع على عمل العلامة الحلي(ره) بتنويع الأحاديث من خلال تربيعها، لكونه صاحب المنهج المذكور، أو لأنه قد أخذه من استاذه ابن طاووس.

ومن المعلوم أن هذا المنهج يقوم على الدراسة الرجالية لحال الرواة، كيما يقرر أنهم ثقات أو لا، ومتى وجدنا أنه(ره) قد حكم على رواية بأنها صحيحة السند، فإن ذلك يكشف عن وثاقة جميع رواتها.

والإشكال على مثل هذا التصحيح، ببناء العلامة (ره) في التصحيح على مسلك العدالة، كما يرد في كلمات بعض الأعاظم(ره)، ممنوع بما ذكرناه في محله، وتمت ملاحظة الموارد التي أدعي عمله(ره) فيها بأصالة العدالة، وأشرنا إلى عدم ظهورها في ذلك.

الثاني: إن دعوى الإطباق الموجود في كلام صاحب المعراج، تكشف عن إجماع الطائفة على العمل بمروياته، وهذا يشير إلى وثاقته.

والإنصاف، صعوبة الجزم بهذا الوجه، لو لم يكن المنع منه أوضح، فتأمل.

ومنها: ما جاء في كلمات غير واحد من الأعلام، كصاحب منتقى الجمان، وبعض الأعاظم(ره)، من أن إكثار الكليني(ره) الرواية عنه شهادة بحسن حاله[13].

وفي الوجه المذكور احتمالان:

أحدهما: أن يكون منشأه دلالة عبارة الكليني(ره) في ديباجة الكتاب على اعتبار جميع روايات كتابه، ما توجب البناء على وثاقة جميع من وقع فيه، أو لا أقل وثاقة بعض الرواة الواقعين فيه، لأنه من الصعب جداً أن يحرز الكليني(ره) قرينة توجب الوثوق بصدور الروايات لكل رواية رواية، وهذا يعني أن بعض القرائن التي كانت توجب الصدور، هي وثاقة رواتها، فمن أكثر الكليني النقل عنه، فذلك لثبوت وثاقته عنده، وجعل ذلك قرينة لصدور مروياته.

ثانيهما: أن يستكشف من كثرة نقل الكليني(ره) عنه، اعتماده عليه، لكونه ثقة عنده، وإلا لم يكثر النقل عنه، حتى ذكر بعض الأعاظم(ره) أن مروياته عنه قد بلغت سبعمائة وستين رواية.

[1] رجال النجاشي رقم 1026.

[2] المصدر السابق رقم 915.

[3] إكمال الدين ج 1 ص 327 ح 7.

[4] المصدر السابق ج 1 ص 73.

[5] الفوائد الرجالية للخاجوئي ص 99.

[6] سماء المقال ج 1 ص 490.

[7] مشرق الشمسين 276.

[8] نقد الرجال ج 4 ص 140 في الحاشية.

[9] جامع الرواة ج 2 ص 71.

[10] معجم رجال الحديث ج 16 ص 98.

[11] معجم رجال الحديث ج 16 ص 102.

[12] مجلة فقه أهل البيت العدد 15 ص 133.

[13] منتقى الجمان ج 1 ص 45، المعتمد ج ص