19 أبريل,2024

فقه الإقامة (1)

اطبع المقالة اطبع المقالة

هناك عنوانان متقابلان تترتب عليهما مجموعة من الأحكام الشرعية، وهما عنوانا الحاضر والمسافر، أو عنوانا الحضر والسفر، إذ يؤخذ في الصلاة ملاحظة هذين العنوانين، فتكون الصلاة تامة عند وجود أحدهما دن الآخر، كما تكون الصلاة مقصورة إذا وجد الثاني دون الأول، فلو كان المكلف متصفاً بصفة السفر مثلاً كانت صلاته مقصورة، ولو كان حاضراً كانت صلاته تامة، وهكذا.

وكذلك الصوم، فإن وجوبه وصحته مترتبان على هذين العنوانين، فيجب الصوم على من كان حاضراً، ولا يجب على من كان مسافراً، ويصح الصوم ممن كان حاضراً ولا يصح ممن كان مسافراً، وهكذا. نعم يستثنى مما ذكرنا الصوم والصلاة في بعض الموارد التي ينطبق فيها عنوان المسافر على المكلف إلا أن وظيفته تكون تماماً، ويلزمه الصوم ويصح منه، مثل:

1-إذا كان سفره سفر معصية، فإنه لا يسوغ له التقصير والإفطار.
2-إذا كان في مقر عمله، فإنه يصلي تماماً ويصوم، كما لو كان عمله في السفر، وبني على أن المقر لا ينفي عنوان السفر عنه موضوعاً، لكنه ينفيه عنه حكماً.
3-من كان عمله السفر، فإنه يصلي تماماً، ويصوم.
4-من كان كثير السفر لغير عمل.

وفي هذه الموارد، يحكم فيها عليه بالتمام والصيام على خلاف القاعدة تعبداً لوجود الدليل الخاص على ذلك.

عنوان الحضر:

ويتحقق عنوان الحضر بأحد موجبين:

الأول: التواجد في الوطن: سواء كان:

1-وطنه الأصلي وهو مسقط رأسه عادة، ومسكن أبويه، والمكان الذي ينسب إليه، ويكفي أن يتوفر فيه أمران، وهو أن يكون مسكناً لأبويه، والمكان الذي ينسب إليه عادة وإن لم يكن مسقطاً لرأسه.

2-وطنه الاتخاذي، وهو المكان الذي اتخذه ليبقى فيه بقية عمره.

3- المكان الذي اتخذه له مقراً ليبقى مدة طويلة بحيث ينتفي عنه عنوان المسافر إذا تواجد فيه، ويعتبره العرف مقراً إليه.

الثاني: محل الإقامة: ويقصد به المكان الذي يقصد المسافر البقاء فيه مدة زمنية لا تقل عن عشرة أيام بينها تسع ليال، فإذا قصد المسافر الإقامة في مكان معين عشرة أيام، فإنه ينقطع عنه حكم السفر، وتكون وظيفته التمام في الصلاة والصيام.

صور الإقامة:

وللإقامة صور، لأنها قد تكون:

1-إقامة اختيارية: وهي التي يقصد المسافر فيها البقاء في مكان ما عن طيب خاطر واختيار منه ورضا، وهذا هو المراد المتعارف عادة.

2-إقامة اضطرارية: وهي ما إذا اضطر المسافر إلى الإقامة في بلد ما لكونه لم يكن قاصداً الإقامة فيه منذ البداية، إلا أن الظروف قد اضطرته إلى البقاء فيه، كما لو كان مسافراً وعند وصوله إلى بلد ما أصابه مرض، أو أصاب أحد عياله مثلاً ما دعاه إلى البقاء.

3-إقامة إكراهية: وهو ما إذا أقام المسافر في بلد ما مكرهاً، وليس عن اختيار منه، كما لو سجن انسان ما في بلد مدة عشرة أيام، فإنه يلزمه الإتمام والصيام.

مدة الإقامة:

وتختلف مدة الإقامة من حيث العدد حسب وقت نية الإقامة وقصدها، فهنا صورتان:

الأولى: أن يقصد الإقامة قبل طلوع الفجر من اليوم الأول من أيام الوصول في الليل مثلاً أو عند طلوع فجر ذلك اليوم، فهنا تكون مدتها عشرة أيام بينها تسع ليال، ولا يدخل فيه الليلة الأولى، ولا الليلة الأخيرة، فلو نوى الإقامة مع طلوع الفجر لم تحتسب الليلة السابقة، ولا تحتسب ليلة الحادي عشر من الإقامة.

الثانية: أن يقصد الإقامة بعد طلوع الفجر، سواء كان وقت الضحى، أم الظهر، أو العصر، فهنا تكون مدة الإقامة أحد عشر يوماً بينها عشر ليال، فلو نوى المكلف ضحى يوم السبت عليه أن يبقى إلى ضحى يوم الثلاثاء حتى يكون قد أكمل عشرة أيام، وهذا ما يعبر عنه بالتلفيق بالإقامة.

شروط الإقامة:

وحتى تتحقق الإقامة القاطعة لحكم السفر عن المسافر، لتكون وظيفته التمام في الصلاة، والصيام، لابد من تحقق شروط:

الأول: العزم على البقاء عشرة أيام:

يعتبر في تحقق الإقامة أن يكون عازماً على البقاء عشرة أيام في مكان واحد، فلو كان متردداً في بقائه في ذلك المكان، أو كان يحتمل احتمالاً عقلائياً أن يطرأ عليه ما يمنع من البقاء فيه، لم يشرع في حقه التمام في الصلاة، ولا الصيام، بل عليه أن يبقى على القصر والإفطار.

العدول عن الإقامة:

وهنا فروع:

1-إذا قصد المسافر الإقامة عشرة أيام وصلى صلاة تامة، وصام بعض الأيام، ثم طرأ عليه ما يستوجب قطعها من دون توقع مسبق عنده، كما لو حصل له حالة وفاة مثلاً، أو حصل عنده مرض لحد مرافقيه، جاز له قطعها، ويحكم بصحة ما صلاه تماماً، ولا يلزمه قضائها، كما يحكم بصحة صومه. ويبقى على التمام حتى يخرج من البلد بقطع المسافة.

2-أن يقصد المسافر الإقامة في بلد، وبعدما صلى تماماً وصام عدة أيام، ثم أتخذ قراراً بقطع الإقامة فجأة ومن غير سابق إنذار ولو لغير ضرورة استدعت ذلك، فإنه يحكم بصحة ما صلاه تماماً، وما صامه. كما عليه أن يبقى على التمام إلى أن يخرج من البلد قاطعاً المسافة.

3-إذا عزم المسافر البقاء عشرة أيام في مكان معين، إلا أنه كان يحتمل أن لا يبقى في هذا المكان عشرة أيام، بل كان يحتمل أن يقطعها، فليس له أن يصلى تماماً، ولا يمكنه أن يصوم، بل عليه أن يبقى على القصر والإفطار حتى لو بقي عشرة أيام.