29 مارس,2024

لعب الحسن والحسين(ع)(2)

اطبع المقالة اطبع المقالة

نصوص لعب الحسنين:

ثم إنه بعد الإحاطة بالمقصود من مفهوم اللعب، لابد وأن ينظر في النصوص التي تضمن لعبهما(ع)، ومدى توفر الأصالات الثلاث فيها. وقد وردت هذه النصوص في كتب الفريقين، إلا أننا سوف نقصر البحث على خصوص النصوص التي وردتنا من طرقنا، ويمكن الرجوع للنصوص الواردة في كتب القوم إلى مصادرهم، فتدبر[1].

هذا ويمكن تصنيف النصوص الواردة من طريقنا إلى صنفين:

الأول: ما تضمن التعبير بلفظة اللعب.

الثاني: ما لم يتضمن ذلك، إلا أنه يشير إلى صدور ما يناسب اللعب والعبث من الإمام(ع).

فمن مرويات الصنف الأول، ما جاء في عيون أخبارالرضا(ع)، عن داود بن سليمان الفرا، عن علي بن موسى الرضا(ع)، قال: حدثني أبي موسى بن جعفر(ع)، قال: حدثني أبي جعفر بن محمد(ع)، قال: حدثني أبي محمد بن علي(ع)، قال: حدثني أبي علي بن الحسين(ع)، قال: حدثني أبي الحسين بن علي(ع)، قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب(ع): قال: إن الحسن والحسن كانا يلعبان عند النبي(ص) حتى مضى عامة الليل، ثم قال لهما: انصرفا إلى أمكما، فبرقت برقة، فما زالت تضيء لهما حتى دخلا على فاطمة(ع)، والنبي(ص) ينظر إلى البرقة، فقال: الحمد لله الذي أكرمنا أهل البيت[2].

وقد رويت الرواية المذكورة بطرق ثلاثة أشار إليها شيخنا الصدوق(ره)، وجميعها لا تخلو من خدشة سندية، فقد تضمن الطريق الأول أحمد بن عامر، وولده عبد الله، وكلاهما مجهولان. وأما الطريقان الثاني والثالث، فإنهما ضعيفان بكل من وقع في سلسلة السند لمجهوليتهم، فلاحظ.

نعم يمكن البناء على ما ذكره بعض أساطين العصر من المحققين(أطال الله في بقائه)، بأن تسمية الكتاب بالعيون، تغني عن النظر في أسناده، لأن معنى ذلك شهادة مؤلفه بوثاقة جميع من وقع في أسناده، لأن التسمية تكشف عن انتخاب خصوص الجيد، فتأمل.

ومنها: ما جاء في كتاب سليم بن قيس، قال حدثني علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، وسلمان وأبو ذر والمقداد، وحدّث أبو الحجاف داود بن أبيع وف العوفي، يروي عن أبي سعيد الخدري، قال: ومرّ بهما رسول الله(ص) ذات يوم وهما يلعبان، فأخذهما رسول الله(ص) فاحتملهما، ووضع كل واحد منهما على عاتقه، فاستقبله رجل، فقال: لنعم الراحلة أنت. فقال رسول الله(ص): ونعم الراكبان هما، إن هذين الغلامين ريحانتاي من الدنيا[3].

وقد تضمن سندها أبان بن أبي عياش، وهو ممن أختلف فيه، فقد بنى جماعة كالعلامة المامقاني، والشيخ موسى الزنجاني، والسيد الصفائي الخوانساري[4] وآخرون على اعتبار مروياته، وبنى آخرون على ضعفه.

على أن هاهنا كلاما مفيداً للشيخ الحائري(ره) في كتابه منتهى المقال، يفيد أن أكثر المرويات المذكورة في كتاب سليم بن قيس موجودة في غيره من الكتب المعتبرة كالتوحيد وأصول الكافي والروضة وإكمال الدين، وغيرها، بل شذ عدم وجود شيء من أحاديثه في غيره من الأصول المشهورة[5]. وهذا يعني إمكانية تصحيح أسناد الروايات الواردة فيه بطرق أخرى لا تكون مشتملة على أبان بن أبي عياش، وإن حكم بكونه ضعيفاً، فلاحظ.

ومنها: ما رواه يعلى العامري أنه خرج من عند رسول الله(ص) إلى طعام دعي إليه، فإذا هو بحسين(ع) يلعب مع الصبيان، فاستقبل النبي(ص)أمام القوم، ثم بسط يديه، فطفر الصبي هاهنا مرة وهاهنا مرة، وجعل رسول الله(ص) يضاحكه حتى أخذه، فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى تحت قفائه، ووضع فاه على فيه وقبله، ثم قال: حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط[6].

وسندها عليل، لوجود من ضعف، أو من هو مجهول الحال، فالضعيف كالحسن بن علي بن زكريا، والمجاهيل، كعبد الأعلى بن حماد البرسي، ووهب بن جرير، وسعيد بن أبي راشد، وراويها يعلى العامري.

ويمكن التغلب على هذا الإشكال في شأن المجاهيل، ليحكم بوثاقتهم جميعاً اعتماداً على التوثيق العام المستفاد من عبارة ابن قولويه في مقدمة كتابه لشهادته بوثاقة جميع من وقع في أسناد الكتاب، كما أن التضعيف الصادر في ابن زكريا، لا يوجب رفع اليد عن التوثيق العام المستفاد من العبارة المذكورة، لأن مصدره هو العلامة، وابن داوود(ره)، وهما من المتأخرين، الذين لا يعول على الصادر منهما توثيقاً أو تضعيفاً على المشهور، لأنه يعتمد على الحدس دون الحس.

ولا يخفى أن هذا التقريب للبناء على وثاقة من ذكر، رهين الالتـزام بظهور عبارة ابن قولويه في وثاقة جميع من وقع في أسناد الكتاب، وليست مختصة بوثاقة خصوص المشائخ، كما يصر عليه الإمام الخوئي(ره) وشيخنا التبريزي(قده)، هذا بعد التسليم بكونها ناظرة للتوثيق، وإلا فمع إنكار ظهورها في ذلك، وأنها ناظرة إلى شيء آخر، كما يلتـزم به بعض المحققين من أساطين العصر(أطال الله في بقائه)، فلن تكون للمعالجة المذكورة وجه أصلاً.

ومنها: صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد الله(ع) قال: إن جبرئيل(ع) أتى رسول الله(ص) والحسين(ع) يلعب بين يديه، فأخبره أن أمته ستقتله. قال: فجزع رسول الله(ص)، فقال: ألا أريك التربة التي يقتل فيها. قال: فخسف ما بين مجلس رسول الله(ص) إلى المكان الذي قتل فيه الحسين(ع) حتى التقت القطعتان، فأخذ منها ودحيت في أسرع من طرفة عين، فخرج وهو يقول: طوبى لك من تربة، وطوبى لمن يقتل حولك.

قال: كذلك صنع صاحب سليمان، تكلم باسم الله الأعظم فخسف ما بين سرير سليمان وبين العرش من سهولة الأرض وحزونتها، حتى التقت القطعتان فاجتر العرش، قال سليمان: يخيل إلى أنه خرج من تحت سريري. قال: ودحيت في أسرع من طرفة عين[7].

ومنها: ما جاء في كتاب الجعفريات بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده علي بن أبي طالب(ع): إن الحسن والحسين(ع) كانا يلعبان عند رسول الله ذات ليلة، وكانت ليلة شاتية ظلماء، وكانا عند رسول الله(ص) حتى ذهب عامة الليل، فقال لهما: انصرفا إلى أمكما فاطمة(ع) فخرجا ومعهما رسول الله(ص) فبرقت برقة، فما زالت تضيء لهما حتى دخلا على أمهما فاطمة الزهراء(ع)، ورسول الله(ص) قائم ينظر، فقال: الحمد لله الذي أكرمنا أهل البيت[8].

وقد نوقشت مرويات الكتاب المذكور من نواحي ثلاث:

الأولى: وقوع موسى بن إسماعيل في سنده، وهو لم يوثق. نعم قد يبنى على وثاقته لأحد طريقين:

أحدهما: وقوعه في أسناد كتاب كامل الزيارات، وقد شهد ابن قولويه بوثاقة جميع من وقع في أسناد الكتاب.

ومن الواضح أن تمامية هذا الطريق رهين تمامية الكبرى، وقد سمعت الخلاف بين الأعلام فيها، فلا نعيد.

ثانيهما: ما تمسكه به المحدث النوري، من توصيف السيد ابن طاووس لسند الكتاب بأنه عظيم الشأن، ما يكشف عن جلالة من وقعوا فيه، وهو أعني موسى واحد منهم[9].

وقد احتمل كون الوصف المذكور راجعاً للإمام موسى(ع)، ومن بعده من الأئمة(ع) إلى النبي(ص)، وليس لمن وقع قبلهم، فتأمل.

نعم قد يحكم بوثاقته من كلام ابن الغضائري في ترجمة سهل بن أحمد الديباجي، فإنه ذكر أنه لابأس بما رواه من الأشعثيات، ومن المعلوم أن جميع أسانيد الكتاب تمر عن طريق موسى، ومقتضى نفي البأس عن النسخة المروية بطريق الديباجي، يستوجب وثاقته، وإلا كان نفي البأس لا جدوى منه.

الثانية: عدم إحراز مطابقة النسخة الموجودة بأيدينا اليوم للنسخة الأصل، خصوصاً وأن النسخة الموجودة بأيدينا اليوم وصلت المحدث النوري(قده) من الهند بالوجادة، وهي تزيد على النسخة الأم كما ذكر ذلك، فإن المذكور في النسخة الأصل أن عدد رواياتها تناهز الألف، بينما الموجود في النسخة الواصلة أن الروايات تبلغ ألف وستمائة رواية، فلاحظ. نعم ما ذكره الإمام الخوئي(ره) في كتابه مباني تكملة المنهاج مانعاً من القبول، لا يعد مانعاً، فراجع[10].

الثالثة: إن رواة هذه النسخة من رجال العامة غير المعروفين، والذين لم يذكر في كتب الرجال بشيء، فلاحظ.

فتحصل أن المانع من الاستناد لمرويات الكتاب المذكور، الناحيتان الثانية والثالثة. ولبعض أعلامنا المعاصرين(دامت بركاته) تحقيق حول الكتاب المذكور، ربما اندفعت به الناحية الثانية، حيث أشار إلى وجود بعض مرويات الكتاب المذكور بواسطة شيخنا الصدوق(ره) بسنده إلى إسماعيل بن موسى، من دون أن يمر بمحمد بن الأشعث، كما أن كلامه قد يفيد دفع الناحية الثالثة أيضاً، فلاحظ[11].

وقد رواها السيد الرضي(قده)، في كتابه المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة[12] باختلاف بسيط جداً في بعض الألفاظ لا يضر بالمعنى، وبسند آخر مغاير لكنه عليل، لتضمنه مجموعة من المجاهيل.

ومنها: ما حكي عن محمد بن إسحاق يقول: كان الحسن والحسين(ع) طفلين يلعبان فرأيت الحسن وقد صاح بنخلة، فأجابته بالتلبية، وسعت إليه كما يسعى الولد إلى والده[13].

وقد تضمن سندها عبد الله بن محمد البلوي، وقد نص على ضعفه، كما في فهرست النجاشي، كما أن عمارة بن زيد لا يخلو من كلام، يوجب التأمل فيه.

هذا وقد يحكم عليها بالإرسال، لأن محمد بن إسحاق ليس من المعاصرين للإمامين(ع)، ما يمنع أن يروي عنهما بدون واسطة، ويمكن دفعه، بأنه ليس راوياً عنهما، وإنما هو يحكي شيئاً قد صدر منهما، فتأمل.

ودلالة هذا الصنف تعتمد على تحديد المقصود من اللعب، فلو حصر معناه في خصوص المعنى اللغوي، فسوف يشكل القبول بها، لمنافاته لمقام الإمامة، بخلاف ما لو كان يقصد منه معنى آخر ولو تأويلاً بحيث يكون منسجماً مع منصب الإمامة، فلن يكون هناك ما يوجب التوقف في القبول بها، وهذا ما سوف نعرض إليه بعد استعراض النصوص، فأنتظر.

وأما مرويات الصنف الثاني:

فمنها: ما رواه عبد الجبار بن كثير التميمي اليماني-في حديث سؤال محمد بن حرب الهلالي أمير المدينة، الإمام الصادق(ع)، وما عقب جوابه(ع) من كلام جاء فيه: كانالرسول(ص) يصلي بأصحابه، فأطال سجدة من سجداته، فلما سلم قيل له: يا رسول الله، لقد أطلت هذه السجدة؟ فقال(ص): إن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعاجله حتى ينـزل، وإنما أراد بذلك(ص) رفعهم وتشريفهم[14].

وقد تضمن سندها مجموعة من المجاهيل، كأحمد بن محمد الوراق، وبشر بن سعيد، وعبد الجبار التميمي، ومحمد بن حرب الهلالي، فلاحظ.

وقريب منها ما رواه السيد الرضي(قده) في المجازات النبوية[15]، من دون تحديد لكون الإمام الجائي، لتردده بين الإمامين الحسنين(ع).نعم هي ساقطة عن الحجية والاعتبار، وإن عبر عنها الشريف(قده) بالمشهورة.

ومنها: ما جاء في مخاطبة أمير المؤمنين(ع) الأول والثاني، قال: وأما الحسن ابني فقد تعلمان، ويعلم أهل المدينة أنه يتخطى الصفوف حتى يأتي النبي(ص) وهو ساجد فيركب ظهره، فيقوم النبي(ص) ويده على ظهر الحسن، والأخرى على ركبته، حتى يتم صلاته. قالا: نعم، قد علمنا ذلك[16].

ولا تنحصر نصوص الصنفين في ما ذكرنا، بل توجد نصوص أخرى، يمكن ملاحظتها في المصادر المتفرقة[17]، وعددها يوجب الاطمئنان باستفاضتها، بل لو قيل بتواترها إجمالاً، أو على بعض المباني في التواتر، لم يكن في ذلك بعدٌ، فتأمل.

ودلالة هذه النصوص أيضاً من حيث ظهورها في صدور العمل اللعبي من المعصوم(ع)، لصعوده على ظهر النبي(ص)، فإن أمكن تأويله بما يكون مناسباً مقام الإمامة، وإلا كان ذلك موجباً لرفع اليد عنها.

[1]لقد قام مشكوراً صاحب الفضيلة سماحة السيد ضياء الخبار(دام موفقاً) بدراسة حول روايات لعب الإمامين الحسنين(ع)، ونقل روايات الفريقين، جعله الله في ميزان أعماله وحسناته.

[2]عيون أخبار الرضا(ع) ج 1 ص 43.

[3]كتاب سليم بن قيس ج 2 ص 7332-733.

[4]نتائج تنقيح المقال ص 4 رقم 14، الجامع في الرجال ج 1 ص 11، كشف الأستار ج 2 ص 126.

[5]منتهى المقال ج 3 ص 381.

[6]كامل الزيارات ب 14 حب رسول الله(ص) الحسن والحسين(ع) والأمر بحبهما ح 12ص 116.

[7]كامل الزيارات ب قول جبرئيل لرسول الله(ص): إن الحسين تقتله أمتك من بعدك ح 1 ص 127.

[8]الجعفريات ص 183.

[9]خاتمة المستدرك ج 1 ص 28.

[10]موسوعة الإمام الخوئي ج 41 ص 275. مباني تكملة المنهاج ج 1 ص 227.

[11]مصباح المنهاج كتاب التجارة ج 1 ص 464-466.

[12]مدينة المعاجز ج 3 ص 271.

[13]دلائل الإمامة ص 164-165.

[14]علل الشرائع ج 1 ص 174.

[15]المجازات النبوية ص 397.

[16]علل الشرائع ج 1 ص 188.

[17]يمكن ملاحظتها في كتاب روايات لعب الإمامين الحسنين(ع) في الميزان.