28 مارس,2024

قضاء النوافل

اطبع المقالة اطبع المقالة

قسم الفقهاء النوافل إلى ثلاثة أقسام:

الأول: النوافل الرواتب: ويقصد منها نوافل الفرائض اليومية، وصلاة الليل، وعددها أربع وثلاثون ركعة، وبضمها للفرائض الخمس، يحقق عنوان الإحدى والخمسين الذي عدّ من علامات المؤمن. ويضاف إليها في يوم الجمعة أربع ركعات فيكون عدد المأتي به في نهار الجمعة عشرين ركعة.

الثاني: النوافل المؤقتة من غير الرواتب: وهي التي يكون لها وقت خاص تؤتى فيه، إلا أنها ليست معلقة أو مرتبطة بالفرائض مثل صلاة الغفيلة، فإن وقتها ما بين فريضتي المغرب والعشاء، ومثل صلاة الوصية، فإن وقتها بين فريضتي المغرب والعشاء، وكذلك صلاة الرغائب، التي تؤدى في أول ليلة جمعة من شهر رجب، وصلاة يوم الغدير، وصلاة أول كل شهر، وهكذا.

ويتفق هذا القسم مع سابقه في كونه ذا وقت محدد، فكما أن النوافل الرواتب لها وقت محدد توقع فيه، فكذلك هذا القسم، إلا أنه يفرق عنه في أنه ليس من الرواتب، كما عرفت.

الثالث: النوافل غير الرواتب وغير المؤقتة: مثل صلاة جعفر الطيار(رض) ومثل صلاة التوبة، ومثل صلاة بر الوالدين، ومثل صلاة الحاجة، أو صلاة شفاء المريض، وما شابه ذلك من الصلوات التي لا يكون لها وقت محدد، وفي نفس الوقت ليست مرتبطة بالفرائض النهارية، أو الليلية، كما هو واضح.

وقد رتب الفقهاء(رض) مجموعة من الأحكام لهذه النوافل، ككون أدائها ركعتين ركعتين، وأنه يمكن لمصليها حال الشك فيها البناء على الأقل، وقد اختلفت بذلك عن الفرائض في عدة أحكام وإن كانت تتفق وإياها في أحكام أخرى.

ومن المعلوم أن من فاتته صلاة فريضة، وجب عليه قضائها، وأما النوافل، فهل تشترك والفرائض في هذا الحكم، فيلتزم بقضائها كالفرائض، فمن فاتته نافلة صلاة الظهر مثلاً، يشرع له قضائها، أو من فاتته صلاة ليلة الرغائب، يمكنه قضائها، أم أنه يلتزم بعدم مشروعية القضاء فيها؟

ولا يذهب عليك أنه قد يختلف الحكم باختلاف الأقسام الثلاثة، ذلك أنك قد عرفت أن النوافل على ثلاثة أقسام، فقد يكون لكل واحد من الأقسام الثلاثة حكم خاص، كما يمكن أن يشترك الجميع في حكم واحد.

ومن الواضح جداً أنه لا معنى للحديث عن القضاء بالنسبة للقسم الثالث من الأٌقسام الثلاثة، وذلك لأن المفترض أنه ليس لها وقت خاص، فصلاة جعفر الطيار(رض)، لم تحدد بوقت معين، كما أن صلاة التوبة يمكنه أن يأتي بها متى شاء، وهذا يعني أنه لا وقت لها، ليقال قد انقضى وقتها، فتقضى.

القسم الأول من النوافل:

أما لو كانت النافلة من القسم الأول، فقد نص الفقهاء على أن القضاء فيها من المستحبات المؤكدة، فمن فاتته نافلة صلاة الفجر مثلاً أو نافلة صلاة الظهر، فإنه يستحب له قضاء ذلك استحباباً مؤكداً، وقد عرضت النصوص الشريفة الصادرة عن المعصومين(ع) آثاراً لهذا القضاء:

منها: أن العبد الذي يقضي نوافله يباهي الله سبحانه وتعالى به ملائكته.

ومنها: أن الله سبحانه وتعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه. فقد جاء عن رسول الله(ص) أنه قال: إن الله تبارك وتعالى ليباهي ملائكته بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار، فيقول: يا ملائكتي، انظروا إلى عبدي يقضي ما لم افترضه عليه، اشهدكم أني قد غفرت له[1].

وعن أبي عبد الله الإمام الصادق(ع) أنه قال: إن العبد يقوم فيقضي النافلة فيعجب الرب ملائكته منه، فيقول: ملائكتي عبدي يقضي ما لم افترضه عليه[2].

كراهة ترك القضاء:

بل يكره ترك قضاء النوافل إذا كان المانع من ذلك هو الاهتمام بجمع الدنيا والاشتغال بها، فقد سأل عبد الله بن سنان الإمام الصادق(ع): أخبرني عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما هو-من كثرتها-كيف يصنع؟ قال(ع): فليصل حتى لا يدري كم صلى من كثرتها، فيكون قد قضى بقدر علمه من ذلك. قلت له: فإنه لا يقدر على القضاء. فقال(ع): إن كان شغله في طلب معيشة لابد منها، أو حاجة لأخ مؤمن فلا شيء عليه، وإن كان شغله لجمع الدنيا، والتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء وإلا لقي الله وهو مستخف متهاون مضيع لسنة(لحرمة)رسول الله(ص)[3].

العجز عن القضاء:

هذا ولو عجز المكلف عن قضاء النوافل لوجود موانع تمنعه من ذلك غير الاشتغال بالدنيا، وبجمعها، فإنه يسقط عنه القضاء، إلا أنه يتصدق عن كل ركعتين بثلاثة أرباع الكيلو من الطعام، فإن لم يتمكن من ذلك تصدق عن كل أربع ركعات بثلاثة أرباع الكيلو، ومع العجز عن ذلك، يتصدق بمد وهو ثلاثة أرباع الكيلو من الطعام عن الصلوات النهارية، وبمثله عن الصلوات الليلية، ومع العجز وعدم القدرة على ذلك، يكفيه أن يدفع مداً من الطعام، وهو ثلاثة أرباع الكيلو لكل يوم وليلة.

فقد سأل عبد الله بن سنان الإمام أبي عبد الله(ع)، عمن لا يتمكن من القضاء بسبب شغل شغله، وليس جمعاً للدنيا، هل يمكنه الاستعاضة عن القضاء بالصدقة؟ فسكت الإمام ملياً، ثم قال(ع): فليتصدق بصدقة، قلت: فما يتصدق؟ قال(ع): بقدر طوله، وأدنى ذلك مد لكل مسكين، مكان كل صلاة. قلت: وكم الصلاة التي يجب فيها مد لكل مسكين؟ قال(ع): لكل ركعتين من صلاة الليل مد، ولكل ركعتين من صلاة النهار مد. فقلت: لا يقدر. فقال(ع): مد إذاً لكل أربع ركعات من صلاة النهار، ومد لكل أربع ركعات من صلاة الليل. قلت: لا يقدر؟ قال(ع): فمد إذاً لصلاة الليل، ومد لصلاة النهار، والصلاة أفضل، والصلاة أفضل، والصلاة أفضل[4].

ووفقاً لهذا التأكيد والتشديد على قضاء النافلة، أو التصدق عنه حال العجز عن قضائها، لا عذر لأحد في ترك ذلك، كيف وقد رأينا تأكيد الإمام(ع) على القضاء، بل إن القضاء أفضل من التصدق.

القضاء حال المرض:

ولا يفرق استحباب قضاء النوافل الرواتب بين ما تركه المكلف أثناء كونه سليماً معافى، وما تركه أثناء مرضه، وعلته، نعم بالنسبة لما فات الإنسان السليم، فإنه يستحب له القضاء استحباباً مؤكداً، وأما ما فات المكلف حال مرضه، فإنه يستحب له قضائه، لكنه استحباب غير مؤكد. ونفي تأكد الاستحباب عن القضاء لما فات حال المرض هو مقتضى الجمع بين النصوص التي تضمنت نفي القضاء لما فات حال المرض، ففي صحيح مرازم الإمام الصادق(ع): إني مرضت أربعة أشهر لم أتنفل فيها، فقلت لأبي عبد الله(ع)، فقال(ع): ليس عليك قضاء، إن المريض ليس كالصحيح، كل ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر[5].

وبين ما تضمنت ذكر القضاء وأنه خير يفعله، فعن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر(ع) قال: قلت له: رجل مرض فترك النافلة؟ فقال: يا محمد، ليست بفريضة، إن قضاها فهو خير يفعله، وإن لم يفعل فلا شيء عليه[6].

القسم الثاني من النوافل:

كان ما تقدم ذكره حديثاً عن قضاء القسم الأول من النوافل، ويقع الحديث الآن حول قضاء القسم الثاني منها، ونعني بذلك النوافل ذات الوقت الخاص، إلا أنها ليست مرتبطة بالفرائض، مثل صلاة ليلة الرغائب، ومثل صلاة يوم الغدير، ومثل صلاة الغفيلة، فلو فات المكلف أداء صلاة ليلة الرغائب، لعدم إحاطته بأن هذه أول جمعة من شهر رجب مثلاً، أو عام بها، لكنه لم يسمع عنها، وسمع بعد ذلك عن فضل هذه الصلاة، وقد فات وقتها، فهل يمكنه أن يقضيها، أم أنه يلتـزم بعدم ثبوت القضاء فيها؟

في مقام الإجابة، نـقول بأنه يمكن للمكلف قضاء هذا القسم من النوافل أيضاً كما في القسم الأول، عمدة ما كان أنه ينبغي منه أن تكون نيته فيه بعنوان احتمال المطلوبية ورجاء حصولها، ولا يكون ذلك بعنوان الاستحباب، فلاحظ.

[1] وسائل الشيعة ب 18 من أبواب أعداد الفرائض ح 3.

[2] المصدر السابق ح 1.

[3] وسائل الشيعة ب 18 من أبواب الفرائض ح 2.

[4] وسائل الشيعة ب

[5] وسائل الشيعة ب 20 من أبواب أعداد الفرائض ح 2.

[6] المصدر السابق ح 1.