28 مارس,2024

فقه العيلولة

اطبع المقالة اطبع المقالة

نص الفقهاء على أنه يجب المكلف إخراج زكاة الفطرة عن نفسه وعن كل من يعول بعد أن تتحقق شرائط وجوبها آناً ما قبل غروب الشمس ليلة العيد، كما هو المشهور، واحتاط بعض الأعيان المحققين(أطال الله في عمره الشريف) بلزوم الإخراج لو تحققت الشرائط مقارنة للغروب، بل بعده أيضاً ما دام وقتها باقياً.

شرائط وجوبها:

وشرائط وجوبها كما نعلم، هي:

1-البلوغ، فلا يجب على الصبي إخراجها عن نفسه، بل يخرجها عنه من يعوله.
2-العقل، فلا يجب الإخراج على المجنون، وإنما الوجوب يتعلق بذمة المسؤول عنه.
3-الحرية، فلا تجب على العبد، بل على سيده أن يخرجها عنه.
4-الغنى، فلا تجب زكاة الفطرة على الفقير، وهو الذي لا يملك قوت سنته، فعلاً ولا بالقوة.
5-الإسلام، وهو محط خلاف بين الأعلام، فإن من ألتـزم أن الكفار مكلفون بالفروع كتكليفهم بالأصول، لم يعتبر هذا الشرط، أما من لم يلتـزم بذلك، فقد اعتبر الشرط المذكور.

وما يهمنا الحديث عنه، هو ما تضمنته كلمات الأعلام، من وجوب الإخراج عمن يعول، فمن هو الذي يعوله الإنسان، حتى يلزمه الإخراج عنه، ومتى يصدق على فرد من الأفراد أنه عيال له، ليكون ملزماً بدفع الزكاة عنه.

تحديد العيال:

ربما يتوهم البعض اختصاص عنوان العيال بخصوص من كانت نفقته واجبة عليه، كالزوجة مثلاً، أو الأب، أو الأم حال افتقارهما واحتياجهما، أو الأبناء.

والصحيح، عدم حصر العيلولة في خصوص واجب النفقة، بل إنها عنوان أوسع، فتشمل غيرهم أيضاً، من دون فرق بين كونه قريباً أو بعيداً، مسلماً أو كافراً.

وطبقاً لهذا يمكننا تحديد المقصود من العيال أو من يعوله المكلف بأنه: كل من افتقر واحتاج إليه في معيشته.

ويستفاد هذا المعنى من كلمات أهل اللغة، فقد تضمنت أن العيال بمعنى المفتقر، قال في لسان العرب: عال، يعيل، عيلاً…افتقر، والعيّل: الفقير-إلى أن قال-وعيال الرجل وعيّله: الذين يتكفل بهم ويعولهم.

وجاء في القاموس: عال يعيل عيلاً….افتقر.

ولهذا قال غير واحد أن معنى قوله تعالى:- (ووجدك عائلاً فأغنى)، أي وجدك فقيراً فأغناك بمال خديجة، أو بما أفاء عليك من الغنائم.
والحاصل، إن المستفاد من هذه الكلمات أن العيلولة إنما تتحقق إذا افتقر الشخص إلى شخص آخر في غالب أموره المربوطة إلى معاشه.

ووفقاً لما تقدم، سوف يكون عندنا عنوانان، المعال، والمعيل:

أما المعال، وهو الشخص الذي يتكفل بأمره، فإنه يقصد به: من يرجع في أموره وفي شؤون معاشه إلى فرد خاص.

وأما المعيل، وهو الذي يتحمل المسؤولية، فيعرف بأنه: من يرجع إليه أمور شخص أو اشخاص في مختلف شؤون معيشتهم.

ويشهد لما ذكرناه، قولهم: وعيال الرجل، الذين يتكفل بهم، ويعولهم. أو: عيال الرجل: ما يعوله ويمونه.
وطبقاً لما تقدم، يتضح أن العيلولة لا تتحقق بمجرد احتياج الشخص إلى غيره في إعطاء المال، أو في إطعام الطعام. فضلاً عمن يعطى الطعام من دون حاجته، كالضيف الذي يدعى للإفطار ليلة العيد فقط، أو الفقير الذي يساعده الغني ولو شهرياً بمبلغ مالي، وإلا لزم أن يكون كل المحتاجين عيالاً للأغنياء، وهذا ما لم يقل به أحد.

وبالجملة، إن العرف يحكم بالعيلولة إذا رجع أمور معيشة شخص إلى شخص آخر، ولا يحكم بكون الشخص معالاً إلا إذا كان كذلك.

وقد استفاد الأعلام اعتبار العيلولة في وجوب زكاة الفطرة من النصوص، ففي معتبر عمر بن يزيد، قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه، فيحضر يوم الفطرة يؤدي عنه الفطرة؟ فقال(ع): نعم، الفطرة واجبة على كل من يعول من ذكر أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، حر أو مملوك.

وفي صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن صدقة الفطرة؟ فقال(ع): على كل من يعول الرجل، على الحر والعبد والصغير والكبير.

فإن المستفاد من النصين أن المدار في وجوب الفطرة عن الغير هو صدق العيلولة، وقد عرفت أنها تتحقق: إذا كان يرجع إليه في شؤون معاشه. ويتضح هذا من صحيح ابن الحجاج عن الرضا(ع) قال: سألت أبا الحسن الرضا(ع): عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله، إلا أنه تكلّف له نفقته وكسوته، أتكون عليه فطرته؟ فقال(ع): لا، إنما تكون فطرته على عياله صدقة دونه.

وقد تحصل العيلولة في وقت، بل آناً قبل وقت وجوب الفطرة، كما لو ولد له مولود قبل غروب الشمس ليلة العيد، أو استقدم خادمة قبل غروب الشمس، وهكذا.
ولا يعتبر في صدق العيلولة وتحققها أن يكون الإنفاق على العيال من المال الحلال، بل ينطبق العنوان وإن كان المال حراماً.

موارد تطبيقها:

ولنشر إلى بعض الموارد التي تطبق فيها قاعدة العيلولة، ليترتب الأثر:

منها: يجب على الزوج إخراج زكاة الفطرة عن نفسه، وعن زوجته، لصدق عنوان العيال والعيلولة عليها بالنسبة إليه.

ومنها: يجب على الأب إخراج زكاة الفطرة عن أولاده الذين هم عيال له، ولا يجب عليه إخراجها عن أولاده الذين ليسوا عيالاً كذلك، فمثلاً ولده المتـزوج الذي يأكل معه طيلة الشهر المبارك، لا يعدّ عرفاً من عياله، فلا يجب عليه إخراج زكاة فطرته، بخلاف ولده الذي يدرس في الخارج، ولا يأكل معه، فإنه قد يكون عيالاً له، فيلزم إخراج فطرته عنه.

ومنها: لا يبعد أن يعدّ العرف أن السائق المستقدم لدى الأشخاص ليقوم بشؤون الأسرة من العيال، فيلزم كفيله إخراج زكاة فطرته.

ومنها: الظاهر أن العرف يعدّ الخادمة المنزلية الخاصة المستقدمة من قبل الأسرة من العيال، فيلزم رب الأسرة إخراج فطرتها.

ومنها: إذا جاء شخص إلى بيت عالم قبل الغروب لسؤال مسألة، أو طلب حاجة منه، وبقي عنده إلى بعد ثبوت هلال ليلة العيد، لم تجب فطرته عليه، لعدم صدق عنوان العيلولة.
ومنها: لو جاء مريض إلى بيت طبيب قبل الغروب للعلاج والطبابة، وبقي عنده إلى بعد الهلال، وأفطر عنده لا تجب عليه فطرته لعدم صدق عنوان العيال عليه.

ومنها: لو نزل شخص على أحد قبل الغروب ووضع أغراضه وشنطه عنده بانياً على أن يكون معيلاً إليه، ورضي صاحب الدار بذلك، وجب على صاحب الدار إخراج زكاة الفطرة عنه، ولو كان ينتقل عند بيوت أشخاص متعددين، ويتناول الإفطار والسحور في بيوتهم، لصدق عنوان العيال عليه، وتحقيق عنوان العيلولة إليه.