28 مارس,2024

س: هل هناك دليل يدل على لبس السواد في شهر صفر وجعله شهر حزن وأسى كشهر محرم؟

اطبع المقالة اطبع المقالة
س: هل هناك دليل يدل على لبس السواد في شهر صفر وجعله شهر حزن وأسى كشهر محرم؟
ج: جرت عادة المؤمنين الموالين لأهل بيت العصمة والطهارة(ع) على أتخاذ شهر صفر المظفر شهر حزن وألم وكمد يجتنبون فيه كل مظاهر الفرح والسرور والبهجة ولا يعمدون فيه لشيء من الزينة أصلاً، وقد يوجب هذا تساؤل البعض عن المنشأ الذي استند إليه المؤمنون في ما يقومون به والدليل الذي اعتمدوا عليه، ونشير في البين لبعض ما يدل على ذلك:
١-سيرة العلماء القريبين من عصرنا كالإمام الخوئي(ره) ومن عاصرنا من أساتذتنا العظام كالشيخ التبريزي(قده) والشيخ الوحيد(دام ظله) وغيرهما من المراجع المقيمين في قم أو النجف، الكاشف عن وجود سيرة متشرعية وصلتنا يدا بيد منذ عصر المعصوم(ع) عن طريق هؤلاء، ولا أقل من كون ذلك محتملاً لأنه من غير المتصور أن يقدم هؤلاء الأعلام وهم من هم في العلم والمعرفة والإحتياط في عمل شيء ليس مشروعاً.
ولا يمكن الإتكاء على أصالة الإباحة في البين لوجود كراهة الصلاة في اللباس الأسود وهو ما ينزه مراجعنا العظام عن فعله متعمدين، وهذا يساعد على أنهم مستندون في لبسهم السواد طيلة شهر صفر لشيء آخر غير الأصل المذكور، وهو ما يساعد على وجود سيرة متشرعية أو دليل لفظي يستند إليه كما سيتضح إن شاء الله تعالى. 
٢-إن ذلك من صغريات الإطلاق المستفاد من قوله(ع): أحيوا أمرنا، فإنه ليس محددا بزمن معين، فكل وقت كان موردا لإحياء أمرهم، وذكر ما جرى عليهم من مصائب، فعلى المؤمنين الظهور فيه بمظهر الحزن والأسى وأي مصاب أعظم من دخولهم مجالس الأعداء وتعرضهم لشماتتهم، وهذا وإن كان جاريا في سائر مصائبهم(ع) ومصائب الأولياء والصالحين المرتبطين بهم كالسيدة أم البنين والسيدة المعصومة(ع)، إلا أنه يكون أوضح في شهر صفر لتتابع الآلام والأحزان فيه على أهل البيت(ع) لنوعية المصائب الواقعة عليهم بدخولهم الشام وما جرى فيها كما سمعت من شماتة الأعداء وإدخال العائلة العلوية لمجلس الطاغية يزيد بن معاوية.
وبالجملة، إن الإطلاق المذكور مسوغ شرعي لإشتغال المؤمنين خلال شهر صفر بالتسربل بالحزن والأسى ولبس السواد واجتناب الزينة وجميع مظاهر البهجة والفرح لأن ذلك كله من مصاديق الإحياء الذي ندب له. 
٣-التمسك بإطلاق نصوص لبس السواد، فإنها غير محددة بشهر محرم الحرام ولا بالعشرة الأولى، بل هي مطلقة شاملة لكافة الأوقات والأيام حزناً على أبي عبد الله الحسين(ع)، وهذا وإن كان يقتضي الشمول لكافة أيام السنة إلا أنه بمناسبات الحكم والموضوع يمكن تقييدها بخصوص أيام المصائب الجسام وهي التي وقعت خلال شهري محرم وصفر لما جرى فيهما على الأسرة النبوية من امتحانات وابتلاءات ومصائب لم يجر مثلها طيلة أيام العام.
٤-ما تضمنه كتاب المحاسن من أن العلويات لبسن السواد والمسوح بعد عودتهن من كربلاء إلى المدينة وهذا يدل على جعل أيام صفر أيام حزن وأسى لأنهن قد دخلن المدينة في أوائل شهر ربيع الأول وقد اتخذن تلك الأيام التي جرت فيها المصائب أيام حزن يرتدين فيها لباس أهل المصيبة.
٥-المقرر في محله أن الشعائر الحسينية تنقسم إلى شعائر منصوصة وشعائر مخترعة، والمخترعة تشملها العمومات الدالة على مشروعية كل شعيرة شعيرة، وهذا يعني أنه لا يوجد محذور في الإلتزام بعدّ لبس السواد في شهر صفر الخير شعيرة من الشعائر الحسينية يشملها العمومات الدالة على مشروعية الشعائر. والقول بتوقيفية الشعائر ممنوع كما فصل في محله.
٦-ما جاء في المستدرك من ارتداء العلويات بل القرشيات السواد في الشام بعدما أذن لهن يزيد بالرجوع، وهذا دليل على لبس السواد خلال شهر صفر المظفر، وقد أمضى الإمام زين العابدين(ع) فعلهن ما يكشف عن محبوبية ذلك فضلا عن مشروعيته.
كما يمكن الأستناد لما دل على لبس أهل المدينة السواد يوم دخلت القافلة العلوية المدينة ما يكشف عن أن هذه عادة قد جرت في الموارد التي يعيش الإنسان فيها الحزن والأسى، وقد عرفت أن شهر صفر لا يقصر مصاباً وألماً على أهل البيت(ع) من محرم الحرام، فيكون موردا للبس السواد وإظهار الحزن والأسى.
ويمكن أن يستشرف ذلك من خلال رواية أحمد بن إسحاق الواردة في عيد ربيع المولود فإن اتخاذ يوم التاسع منه يوم عيد يكشف عن خروج من حالة حزن وأسى ودخول في حالة فرح وسرور، ولا يبعد أن يكون ذلك لنزع السواد الذي كان متخذا لشهري محرم وصفر، فتأمل.
بل قد تضمنت الرواية المذكورة التصريح بأنه يوم نزع السواد، وهذا يساعد على ما ذكرناه من ارتداء الأسود خلال هذين الشهرين حتى حلول يوم العيد.
وقد يؤيد المقام وأن السواد شعار كل مؤمن يعيش الحزن على الحسين(ع) بما فعله العباسيون في ثورتهم بإتخاذهم السواد شعاراً، مظهرين الحزن على الإمام الحسين(ع) وهذا يكشف عن كون السواد يعد مظهرا من مظاهر الحزن والأسى والتفجع يلبسه كل من يعيش الألم والأسى. فما بالك لو كان الحزن والكمد على سيد الشهداء روحي له الفداء، والله العالم بحقائق الأمور وهو الهادي إلى سواء السبيل.