28 مارس,2024

دولة الرسول (4)

اطبع المقالة اطبع المقالة

قال تعالى:- (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)[1].

كنا قد تحدثنا في الأسابيع الماضية حول نظرية الحكم الإسلامي في دولة الرسول محمد(ص) وأشرنا إلى أن هناك عدة نظريات، تعرضنا لبيان واحدة منها وهي نظرية النص والتنصيب من قبل الله سبحانه وتعالى، وأقمنا الأدلة الدالة على صحة هذه النظرية.

هذا ومن النظريات المقابلة لهذه النظرية نظرية الشورى، إذ يدعي المتمسكون بها أن أساس نظام الحكم الإسلامي يقوم على هذا المبدأ.

ونحن نحتاج في البداية أن نتعرف السبب الذي دعى هؤلاء إلى القول بهذه النظرية، والالتزام بمؤداها، خصوصاً مع التوجه لما ذكره السيد الشهيد الصدر(ره)، من أن نظام الشورى إنما هو نظام حديث نشأ في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلادي، ولا يوجد له في كتب القوم القديمة أية جذور أصلاً، نعم وجد الاستدلال على الشورى في الكتابات المتأخرة، مثل كتابات الآلوسي، ورشيد رضا وابن الخازن.

هذا ولنبدأ بالتعرف على حقيقة الشورى، فقد ذكروا في تعريفها أنها تداول الآراء بين المجموع.

سبب القول بالشورى:

وعلى أي حال، عندما نحال أن نتعرف السبب الموجب لهؤلاء للقول بالشورى يمكننا أن نحصر ذلك في خصوص أمرين، وهما:

الأول: إن القائلين بنظرية الشورى قد جعلوا الشورى مكان الاستفتاء الشعبي، بمعنى أن هؤلاء يقررون أن الولاية في انتخاب الحاكم والخليفة للأمة، فهي التي تنتخب من تشاء ليكون حاكماً وخليفة عليها، ومن الواضح أن هذا يستدعي وجود استفتاء شعبي حتى يتسنى لجميع أفراد الأمة المشاركة فيه.

ومن المعلوم أنه لم يكن من الممكن في الصدر الأول من الإسلام وبعد رحيل النبي الأكرم محمد(ص)، استعلام جميع الآراء في الوطن الإسلامي، وذلك بسبب قلة المواصلات، وفقدان سبل الاتصال المعروفة اليوم، وعليه فجعلت مسألة الشورى عوضاً عن ذلك، لتقوم بهذه المهمة.

الثاني: لقد أراد القائلون بنظرية الشورى تصحيح الخلافة بعد النبي محمد(ص)، وذلك لأن بعض الخلفاء قد توصل إلى الحكم من خلال الشورى، فإن عدت الشورى منهجاً إسلامياً لانتخاب الحاكم كانت خلافة ذلك الخليفة شرعية، وإن قلنا أن الشورى لا تمثل منهجاً إسلامياً، فذلك يعني أن خلافة ذلك الخليفة ليست شرعية.

أدلة نظرية الشورى:

هذا وقد استدل القائلون بهذه النظرية بعدة أدلة نشير إلى أهمها:

الأول: التمسك بالقرآن الكريم:

وذلك من خلال آيتين وردتا فيه تضمنـتا الإشارة إلى كلمة الشورى، وهما:

1-قوله تعالى:- (فبما رحمت من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين)[2]. وتقريب الاستدلال بها على المدعى كالتالي:

إن الأمر في قوله تعالى(وشاورهم)للوجوب، وعليه يكون معنى الآية الشريفة أنه سبحانه وتعالى يأمر نبيه بأن يشاور من حوله، وهو بهذا العمل يعلّم الأمة القيام بالمشاورة في مهام الأمور، ومنها الخلافة، فيثبت المطلوب.

2-قوله تعالى:- (والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون*والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون)[3]، وتقريب دلالتها على المدعى بملاحظة أمرين فيها:

أولهما: أنه قد ورد فيها المصدر، وهو(أمر)، وقد أضيف إلى الضمير، وهو(هم)، وإضافته إليه تفيد العموم والشمول، فيكون شاملاً لكل أمر بما في ذلك الخلافة.

ثانيهما: الإشارة إلى الشورى، وهو تداول الآراء بين المجموع كما عرفت، وبالتالي يكون تعيـين الحاكم وتحديد طبيعة النظام السياسي المتبع والصلاحيات وكل ما يكون مرتبطاً بأمور المسلمين من خلال ذلك.

الثاني: الاستدلال بسيرة الرسول(ص) حيث يلحظ المتابع لسيرته العطرة التزامه بالشورى في عدة مواضع:

منها: يوم واقعة بدر، وذلك أنه(ص) نزل في موقع من المواقع، فقال له الحباب بن المنذر بن الجموح: يا رسول الله، أرأيت هذا المنـزل، أمنـزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنـزل، فانهض بالناس حتى نأتي أول ماء من القوم، فتـنـزله، ثم تغور ما وراءه من القُلُب، ثم تبني عليه حوضاً فتملؤه ماء ثم تقاتل القوم، فتشرب ولا يشربون، فقال له الرسول(ص): لقد أشرت بالرأي[4].

ومنها: يوم غزوة أحد، ذلك أنه(ص) لما سمع بخروج قريش، قال للمسلمين: إني قد رأيت والله خيراً، رأيت بقراً، ورأيت في ذباب سيفي ثلماً، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة، فأولتها المدينة، ثم استشار قومه في قتال المشركين، وكان رأي عبد الله بن أبي بن سلول مع رأي النبي(ص) وهو البقاء في المدينة، وقال له: يا رسول الله، أقم بالمدينة لا تخرج إليهم، فوالله ما خرجنا إلى عدو لنا قط إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا أحد إلا أصبنا منه، فدعهم يا رسول الله فإن أقاموا بشر فحبس وإن دخلوا قاتلهم الرجال وجههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا، وقال رجال ممن أكرمه الله بالشهادة يوم أحد وغيرهم، ممن كان قد فاته يوم بدر: يا رسول الله اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنا وضعفنا، فلم يزل الناس برسول الله(ص)الذين كان من أمرهم حب لقاء القوم حتى دخل بيته ولبس لامته ثم خرج عليهم وقد ندم الناس، وقالوا استكرهنا رسول الله(ص)، ولم يكن لنا ذلك. فلما خرج الرسول(ص) عليهم، قالوا يا رسول الله استكرهناك ولم يكن ذلك لنا، فإن شئت فاقعد صلى الله عليك، فقال الرسول(ص): ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل. فخرج النبي في ألف من أصحابه حتى إذا مشوا مسافة رجع عنه عبد الله بن أبي سلول بثلث الناس، وقال: أطاعهم وعصاني[5].

ومنها: غزوة الخندق، أو الأحزاب، وهذه فيها موقفان:

أولهما: عندما أخذ برأي سلمان المحمدي(رض) في حفر الخندق لحماية المدينة، والقصة في هذا المضمون مشهورة ومعروفة.

ثانيهما: عندما أراد عقد صلح مع غطفان، فأرسل إلى قائديها، وهما عيـينة بن حصين، والحارث بن عوف، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فلما أراد أن يوقع معهما الشهادة والصلح بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فذكر لهما ذلك واستشارهما فقالا: يا رسول الله، أمراً تحبه فتصنعه أم شيئاً أمرك به الله لابد لنا من العمل به، أم شيئاً تصنعه لنا؟ قال: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب فأردت أن اكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما، فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرى أو بيعاً، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا، والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، قال رسول الله(ص): فأنت وذلك، فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: يجهزوا علينا[6].

والمستفاد من هذه المواقف من سيرته المباركة(ص)أنه كان ينـزل عند رأي من يستشيرهم من قومه، ومن المعلوم أنه لو لم يكن ينـزل عند رأيهم، لكان الأمر بالمشورة لغواً وعبثاً.

الثالث: التمسك بجملة من النصوص الدالة على وجوب الشورى، ونقتصر على واحد من أهما وهو ما ورد عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: أنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، على ما يعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على إتباعه غير سبيل المؤمنين[7].

محاكمة أدلة نظرية الشورى:

هذا وبعد استعراض جملة مما استدل به على نظرية الشورى نحتاج إلى محاكمة هذه الأدلة حتى يتجلى لنا واضحاً تماميتها من عدمه، فإن تمت الأدلة المذكورة كان ذلك داعياً إلى الالتـزام بهذه النظرية، أما لو لم ينهض شيء منها لإثبات المدعى كفى ذلك دليلاً لصحة نظرية النص والتنصيب الإلهي.

وعلى أي حال، فإن محاكمة النظرية المذكورة لها منحيان:

الأول: المنحى الذي تحاكم فيه النظرية نفسها.

الثاني: محاكمة الأدلة التي استدل بها عليها.

هذا ولا يذهب عليك أنه لو تمكنا من خلال المنحى الأول أن نهدم أصل النظرية كفانا ذلك عن دراسة المنحى الثاني، فلاحظ.

أما بالنسبة للمنحى الأول: فهناك عدة أمور وتساؤلات تثبت أن الشورى ليست مبدأً لنظام الحكم الإسلامي، وتلك الأمور هي:

1-إن الالتـزام بأن أساس الحكم الإسلامي هو الشورى يستدعي الالتـزام بالتالي:

أولاً: يجب على رسول الله(ص) التصريح بكون هذا هو نظام الحكم الإسلامي.

ثانياً: يلزم على النبي(ص) أن يقوم ببيان الحدود والخصوصيات المرتبطة بهذا النظام، وإيضاح معالمه.

ثالثاً: كان عليه بيان من هم الذين يشاركون في الشورى، هل هم القراء وحدهم، أو السياسيون، أو القادة العسكريون، أو جميع الفئات من المسلمين.

رابعاً: يلزم منه(ص) أن يبين ما هي شرائط المنتخب.

خامساً: كان عليه أن يضع ضابطة فيما لو حصل الاختلاف في الشورى، فما هو المرجح، هل هو كمية الآراء وكثرتها، أم الرجحان بالكيفية، وخصوصيات المرشحين وملكاتهم النفسية.

فهل يصح سكوت النبي(ص)عن الإجابة على هذه الأسئلة ذات الصلة الوثيقة بجوهر الشورى، وقد جعلت الشورى نظاماً إسلامياً لتعيـين الحاكم الإسلامي، من دون بيان ما يتعلق بها، وهو الذي قد صدرت منه روايات في أمور أقل أهمية من هذا الموضوع، كالروايات التي صدرت عنه(ص) في التخلي وآدابه، وما صدر عنه في القدر وقد بلغ 250 رواية.

وما هو السبب في افتقار الكتاب العزيز والسنة الشريفة للتصريح بأن الحكم الإسلامي منهجه هو الشورى، ولم لم تبين شرائطها ببيان من هو المنـتخِب، ومن هو المنـتخَب؟…

2-لقد عرف أعضاء الشورى بأنهم أهل الحل والعقد، لكن هذا المفهوم(أهل الحل والعقد)مفهوم غامض غير مفسر، فماذا يحلون وماذا يعقدون؟ ومن هم، هل هم أصحاب الفقه والرأي الذين يرجع إليهم الناس في أحكام دينهم، وهل يعتبر فيهم مستوى معين من العلم والمعرفة، وعلى فرض اعتبار ذلك فيهم، فما هو مقدار ذلك العلم؟…

3-إذا تم انتخاب شخص من قبل أعضاء الشورى، فالسؤال الذي يطرح: هل يعدّ انتخاب أعضاء الشورى شخصاً ما يعدّ ملزماً للأمة، فليس لها التخلف عنه، أم هو مجرد ترشيح منهم للأمة، والأمة تعطي رأيها فيه، فلها الحق أن تقبل به، كما لها الحق أن ترفضه.

وعلى كلا الاحتمالين المذكورين، لو اختير أي منهما، فما هو الدليل عليه؟…

وأما بالنسبة للمنحى الثاني: وهو الذي سيتكفل بمناقشة الأدلة المذكورة لإثبات نظرية الشورى، فنقول:

أما الآية الأولى، وهي قوله تعالى:- (وشاورهم في الأمر)بتقريـبها السابق، فلنا على الاستدلال بها ملاحظات ثلاث:

الأولى: إن الآية الشريفة لا ربط لها بما يروم صاحب النظرية إثباته، ذلك لأنها أجنبية عن أمرين:

1-عن أن الحاكم يكتسب ولايته من الناس، فهي ليست بصدد التعرض لهذا الأمر أصلاً.

2-عن بيان طبيعة النظام وشكل الحكم.

وأقصى ما يمكن أن يستفاد منها هو دلالتها على لزوم الاستشارة على الوالي، ولا يلزمه أن يعمل بالقرار الذي يشار عليه به.

وواضح جداً أنه لا توجد ملازمة بين لزوم الاستشارة على الوالي، وبين أن يكون تعيـينه من خلال الأمة، أو أن نظام الحكم وشكله بيد الأمة. وذلك لأننا لو قلنا بأن تعيـين الحاكم لا يكون إلا بالشورى، فمعنى ذلك أنه لابد من رضا الأمة على الشخص المعين، فلو لم ترضى به لا يحق له أن يتولى.

الثانية: إن الآية الشريفة ظاهرة في الاستحباب وليس في الوجوب كما ادعاه مقرب الاستدلال بها، ولنا على دلالتها على الاستحباب قرينـتان:

الأولى: سياق الآية، فإنه يفيد أن الحديث عن صفات كمالية في رسول الله(ص)، وليس الحديث فيها عن أمور يجب مراعاتها، ولما ثبتت له الصفات الحميدة، فإنه يتفرع عليها العفو عنهم والاستغفار لهم، ومشاورتهم، فالمشاورة من لوازم اللين والرحمة التي في قلبه(ص).

الثانية: كون الخطاب له(ص)، يمنع أن يكون الخطاب فيها للوجوب، وذلك لأنه قد اتفقت كلمة المسلمين على أنه(ص) لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وهو معصوم، وعصمته توصله للطريق الأمثل والأكمل وتغنيه عن الاستشارة، وعليه يكون الأمر بها من باب الإرفاق بالمسلمين ليس إلا.

الثالثة: لقد تضمنت الآية الشريفة قرينة تفيد أن القرار في نهاية المطاف للنبي محمد(ص)، وهي ما جاء في ذيلها، وهو قوله تعالى:- (فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) فهو(ص) وإن كان ملزماً بالاستشارة، لكنه ليس ملزماً بالعمل على وفق ما يشير به المشيرون عليه. وقد عرفت أن الأمر بها إنما هو من باب الإرفاق.

وأما الآية الثانية: وهي قوله تعالى:- (وأمرهم شورى بينهم)، فلنا على الاستدلال بها ملاحظتان:

الأولى: لا يخفى أن الآية الشريفة شاملة لعصر النبي محمد(ص)، لأنه مورد نزولها، ومن المعلوم أن أمر المسلمين لم يكن شورى في عصر النبي(ص) لا على مستوى حكومته(ص) وولايته، ولا على مستوى إدارته وحكمه واختياره الشكل المناسب للحكم.

وبعبارة أخرى إن القارئ للتاريخ الإسلامي يرى أن الأمور كلها كانت بيده(ص)، فلم يكن هناك ما يشير من قريب أو بعيد إلى الشورى لا في نظام الحكم ولا في الحكومة ولا في الإدارة، فلم تكن طريقته(ص) في الحكم إجراء استفتاء شعبي على شكل الحكم أو غير ذلك، بل كان الحكم يصدر منه(ص)، وكان على المسلمين جميعاً الانقياد لذلك وإن كان مخالفاً لما يريد، وهذا هو مقتضى ولايته(ص) على المسلمين.

وبناءً على ما ذكرنا يلزم أن تكون الآية الشريفة محط الاستدلال غير شاملة لمجتمعه(ص)، وهذا غير ممكن، لأنها نزلت في عصره(ص)، فلابد على الأقل من أن تكون شاملة لموردها، وهذا يعني أن التفسير المذكور لها من خلال تقريب دلالتها على المدعى غير صحيح.

والصحيح أن تفسر الآية أنها بصدد دعوة المسلمين لأن يمتلكوا جملة من الصفات الحميدة الحسنة، وأن يتكاتفوا ويتعاضدوا وهكذا.

الثانية: إن الاستدلال بالآية على النظرية المذكورة من صغريات التمسك بالحكم في إثبات موضوعه، توضيح ذلك:

إن الآية الشريفة تضمنت الحث على الشورى فيما يرتبط بشؤون المؤمنين، لا فيما هو خارج عن حوزة أمرهم، أما أن تعيـين الحاكم بعد رسول الله(ص) داخل في أمورهم، فهذا أول الكلام، إذ لا يعلم أنه من شؤونهم أم من شؤون الله سبحانه، فإثبات أنه من شؤونهم من خلال الآية غير صحيح، لأن الآية لا يمكنها أن تثبت ذلك.

ويكفي للإجابة عن التمسك بسيرة رسول الله(ص) أن تقرأ أنه(ص) قد شاور أصحابه في موارد كثيرة وخالفهم فيها، وكفانا يوم صلح الحديبية، وقضيته معروفة، ومثل ذلك ما روي عن أمير المؤمنين(ع).

فالنـتيجة عدم صحة هذه النظرية، وتمامية نظرية النص والتنصيب من قبل الله سبحانه وتعالى، والله العالم[8].

——————————————————————————–

[1] سورة الآية رقم

[2] سورة آل عمران الآية رقم 159.

[3] سورة الشورى الآية رقم 38.

[4] السيرة النبوية لابن هشام ج 1 ص 620.

[5] السيرة النبوية لابن هشام ج 2 ص 63.

[6] السيرة النبوية لابن هشام ج 2 ص 223.

[7] نهج البلاغة قسم الكتب رقم 6.

[8] مظان البحث، تفسير الأمثل ، تفسير الكاشف ،مفاهيم القرآن ج 2 ،الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف ج 3، الفقيه والسلطة والأمة، الإمامة الإلهية ج 1، البيعة وولاية العهد والشورى وآثارها في تنصيب الخليفة، ولاية الأمر دراسة فقهية مقارنة، فقه الدولة، الإسلام يقود الحياة.