29 مارس,2024

تكليف الكفار بالفروع(3)

اطبع المقالة اطبع المقالة

أدلة المشهور:

واستدل المشهور على ثبوت التكليف لهم بأمور:

1-الإجماع المدعى من غير واحد على ثبوت التكليف للكفار بالفروع كتكليفهم بالأصول.
وقد أجيب عن هذا الإجماع بجوابين:

الأول: بمنع تحقق صغراه في المقام، ضرورة أنه قد تحققت المخالفة من كل من الأمين الأسترابادي، والفيض الكاشاني، والمحدث البحراني(ره).

الثاني: بمنع تحقق كبراه، إذ تقرر في محله أن الإجماع الذي يكون حجة ويصلح الاستناد إليه، هو ما يكون الدليل منحصراً فيه كما عرفت، وليس المقام كذلك، لوجود ما يصلح للدليلية، مما يعني كونه مدركياً، فلاحظ.

على أننا لو رفعنا اليد عما تقدم، فإن المقرر في الأصول أن الحجية لخصوص الإجماع المحصل، فلا دليل على حجية الإجماع المنقول بخبر الواحد، ومقامنا من هذا القبيل، فإنه من الإجماعات المنقولة، فلا حجية لها[1].

وما أفاده(قده) جواباً عن الكبرى في محله. إلا أن ما جاء عنه في الصغرى غريب جداً، ضرورة أن المقرر في محله من الأصول أن المخالفة المانعة من الحجية للإجماع هي المخالفة الصادرة من الرعيل الأول من الفقهاء، وليست مطلق المخالفة، فضلاً عما لو كانت المخالفة من الفقهاء المتأخرين، كما هو في المقام، وقد اتضح ذلك خلال عرض أقوال المسألة.

والحاصل، الظاهر أن المنع من تحقق الصغرى في المقام، في غير محله، بل البناء على تحققه متعين، فلاحظ.

نعم لو شكك في تحققها لا من جهة وجود المخالفة، وإنما لعدم عنونة المسألة في بعض كلمات الأصحاب، وخلوها منها، كان لذلك وجه، فتأمل.

2-الاستناد إلى الآيات القرآنية، وهي صنفان:

الأول: الآيات التي تضمنت بيان جملة من الأحكام الشرعية الابتدائية الثابتة من الشرع الشريف، وقد كان لسانها مطلقاً، يشمل الكافر كشموله للمسلم، فمن تلك الآيات قوله تعالى:- (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم)وهو شامل للمسلم والكافر.

وقوله تعالى :- (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم)ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين المسلم والكافر. ومثله الروايات التي ورد فيها التصريح بلفظ(الناس).

وقوله تعالى:- (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون)، إذ أن الظاهر منها هو حرمة التطفيف مطلقاً دون اختصاص للمسلم دون الكافر.
وقوله تعالى:- (السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)، فإنها تدل بمقتضى إطلاقها على حرمة السرقة، ووجوب القطع من دون فرق بين المسلم والكافر.

نعم التمسك بقوله تعالى:- (ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً) في غير محله، إذ الظاهر عدم كونها في مقام التأسيس الشرعي، وإنما هي في مقام الإمضاء لما عليه العقل من حسن الرعاية بالوالدين، وبالتالي يكون المستفاد منها متوافقاً مع ما يدل عليه الحكم العقلي، فلا تصلح أن تكون من أدلة المقام، فلاحظ.

وقد منع بعض الأعاظم(ره) وجود عموم لهذه النصوص، لأن الخطاب في كثير من الآيات القرآنية الأخرى مختص بالمؤمنين، فلاحظ قوله تعالى: -(أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)، وقوله تعالى: -(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام)، وقوله تعالى: -(إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً).

وبالجملة، لو كان في بعضها عموم، مثل قوله تعالى:- (ولله على الناس حج البيت)، فإن بإزائه هذه الآيات الخاصة[2].
ولا يذهب عليك أن ما ذكره(ره) من الآيات المتضمنة للتعبير بكلمة(يا أيها الذين آمنوا) لا ينحصر في خصوص ما ذكر، بل هناك آيات أخرى، كقوله تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)، وقوله تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم)، وقوله تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة)، وغير ذلك من الآيات الشريفة، التي يجدها القارئ للقرآن الكريم.

أقول: يوجد احتمالان في موجب منعه لثبوت العموم في الآيات المذكورة، ذكرت في كلامين لعلمين من أعلام تلامذته:

الأول: أن يكون المنع من ثبوته، بمعنى المنع من انعقاده، ووجوده، ضرورة أن العموم لا ينعقد للفظ من الألفاظ ويكون له ظهور فيه إلا بعد الفحص عن المخصص، فإذا لم يكن في البين مخصص، كان موجباً لانعقاد العموم، ومن ثمّ الحكم بحجيته فيه.

ومقامنا من هذا القبيل، فإن المورد يدخل تحت دائرة حمل العام على الخاص، والمطلق على المقيد، فلا يكون للفظ انعقاد في العموم، ومقتضى حمل العام على الخاص، والمطلق على المقيد، يقتضي البناء على رفع اليد عن ظهور الآيات العامة، أو المطلقة فيما ظهرت فيه، وحملها على خصوص المؤمنين، بمقتضى الجمع والتوفيق بينهما، فلاحظ.

الثاني: إن المورد من صغريات الدوران بين رفع اليد عن العموم الثابت لبعض الآيات الشريفة، وبالتالي تخصيص موضوعها بالمسلم دون الكافر، وبين رفع اليد عن ظهور ما ورد مختصاً بالمؤمنين، كوجوب الصوم، ليلتـزم بوجوبه على الكافرين كوجوبه على المسلمين، ويكون الموجب لتخصيص الخطاب فيها بالمسلمين من باب التشريف ونحوه، وليس تخصيصاً للحكم بالمؤمنين.

والحاصل، إن الأمر يدور بين رفع اليد عن إطلاق الآيات العامة بالنسبة لغير المؤمن، وبين الالتـزام بعموم الحكم في الآيات الخاصة ليشمل الكافر أيضاً، وإن لم يكن هذا الدليل الثاني في حد ذاته مقتضياً العموم.

ولا يخفى أن ترجيح أحدهما على الآخر خلاف الظاهر، فإذا لم يكن دليل على الأمر الثاني كان ذلك بنفسه موجباً لعدم تمامية الاستدلال بالأدلة الأولى على تكليف الكفار بالفروع.

ولا يذهب عليك أن هذا المحتمل الثاني في بيان مقصوده(ره) يبتني على القيام بعملية التصرف في مدلول الآيات الشريفة، بحيث يكون أحدها موجباً للتصرف في ظهور الآخر، فإما أن تكون آيات العموم والإطلاق موجبة للتصرف في آيات الخصوص، فتحمل على العموم، وذكر المؤمنين لا موضوعية وخصوصية له إلا من باب التشريف ليس إلا. وإما أن تكون آيات الخصوص موجبة للتصرف في آيات العموم، وبالتالي تكون مانعة من حجية الظهور في العموم، كما لا يخفى.

والإنصاف، أن المحتملين يعودان إلى معنى واحد، وهو يفيد حمل المطلق على المقيد، وبالتالي منع انعقاد العموم والإطلاق، ليس إلا، وإن لم يكن مجال لحمله لإباء نصوص العموم قبول ذلك، كان مقتضى ذلك التوقف في المدلول، فلاحظ.

وعلى أي حال، إن ما أفاده(قده) من منع للعموم، يلاحظ عليه:

أولاً: أما دعوى حمل المطلق على المقيد فجوابها: إن الملاك المبرر لذلك هو وجود التنافي بينهما إما من خلال كون أحدهما سلباً والآخر إيجابا او كون التنافي متمثلاً في وحدة الحكم وحدة شخصية في طرف المطلق وإلا فلا. فلو كان الحكم في المطلق انحلالياً فلا يعرف ظهور الدليل المقيد في عدم ثبوت الحكم للمطلق. نعم يرى انه مأخوذ في لسان المطلق لاهتمام المولى أو لأنه آكد واهم من سائر الحصص. وبهذا يتضح ان تخصيص المسلمين في هذه الآيات لإحدى هاتين النكتتين او لان الغرض من التكليف هو البعث وهو غير متحقق الا فيهم. فلا موجب لحمل المطلق على المقيد.

ثانياً:-يمكن الجواب عن كل آية آية على حدة فنقول:

أما آية الصيام فجوابها: هو رفع الاستيحاش والاستثقال وتطمين نفوس المؤمنين وبيان انه كان عند الأمم السابقة مع بيان تضمنه للخير لهم وهو التقوى وهذه النكتة التي استدعت تقييد الخطاب بالمسلمين لا بالواقع وهذا التقييد غير دال على الاختصاص.

واما آية الصلاة فجوابها: إنها ليست في مقام التشريع بل في مقام بيان وظيفة المؤمنين في السفر وحين الخوف من العدو بالنسبة للصلاة فلاحظ التعليل الوارد في مجموعة من الآيات السابقة عليها.

وأجاب بعض الأعلام(قده) عن قوله تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم …الخ…)بما حاصله: إن في الآية قرينة داخلية دالة على الاختصاص بالمسلمين وهي قوله تعالى(تطهرهم وتزكيهم)، والكافر لا يتطهر ولا يزكى بذلك. بل حتى قوله تعالى (وصل عليهم ان صلاتك..)، قرينة على الاختصاص[3].

ومع أن ما ذكر جواباً مصادرة واضحة، فإنه يرد عليه: بأن دعوى اختصاص التطهر والتزكية بالمسلم عهدتها على مدعيها، بل لا دليل عليها.
ثانياً: ان ما ذكره –لو سلم-يتم بناءً على اخذ النسبة بنحو الملكة والعدم لا بنحو السلب والإيجاب والظاهر هو الثاني لا الأول.
الثاني: الآيات الواردة في موارد خاصة، والدالة على ثبوت التكليف للكفار، كثبوته للمسلمين:

كقوله تعالى:- (ماسلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين)وتقريب الاستدلال بها:

إن هذه الآيات محاورة بين أهل النار وأهل اليمين وبيان سبب دخولهم لها من خلال عدم إتيانهم بالصلاة وترك أداء الزكاة وهؤلاء الكفار لو لم يكونوا مكلفين بها لما استحقوا دخول النار.

ومنها: قوله تعالى:- (ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون)وتقريب الاستدلال بها: إن الآية صريحة في ثبوت الويل للمشركين بسبب تركهم الزكاة، وهذا دليل على وجوبها عليهم.

ومنها: قوله تعالى: – (قل تعالوا أتل عليكم ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا بالله شيئاً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من ملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن)، وقد قربت دلالتها على المدعى بمقطعين منها:
الأول: قوله تعالى:- (وبالوالدين إحساناً) على أساس دلالتها على وجوب بر الوالدين، ولا أقل من حرمة إيذائهما، وهو حكم ثابت على مطلق العنصر البشري من دون فرق بين المسلم، والكافر.

الثاني: قوله تعالى:- (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن).

وقد عرفت عدم تمامية الاستناد للمقطع الأول من الآية الشريفة، فإنه من صغريات المستقلات العقلية، نعم الظاهر تمامية الاستدلال بالمقطع الثاني، فلاحظ.

وأجيب عن الآيتين الأوليتين بما حاصله: بان المراد أننا لم نكن من المسلمين حتى ندخل في جماعتهم فنكون من المصلين ومن المطعمين للمسكين بإيتاء الزكاة[4].

وفيه: ان حمل الآيتين على ذلك خلاف الظاهر جداً. بل ان المستفاد من الآية الثانية هو حديثها عن المشركين المتصفين بصفتين: عدم أداء الزكاة وإنكار المعاد. وكأن سبب استحقاقهم الويل هو ذلك لا بلحاظ رجوعه للإسلام.

ودعوى بعض الأعلام(قده) عدم إمكان حمل الآية على الزكاة التي هي من فروع الدين لان السورة مكية والزكاة شرعت في السنة الثانية من الهجرة[5].

مدفوعة بالتدريج في تشريع الأحكام فيمكن ان تكون الزكاة قد شرعت بمعناها واحكامها الكلية في مكة وبقية جزئياتها من نصاب وما شابه كان في المدينة.

ومثله الحديث بالنسبة للآيات الاولى حيث ان الخطاب فيها بين المؤمنين وهم أصحاب اليمين وبين المجرمين المتصور فيهم الاستقرار في النار.

وقد أجيب عن الآيات الثانية بثلاثة أجوبة يهم منها اثنان:

الأول: لما انكر المشركون ما هو أهم من وجوب الزكاة-على فرض التسليم بوجوبها في حقهم_حق لهم ان يتوعدوا على ذلك لا على إنكارهم وجوب الزكاة[6].

وفيه: ان هذا خلاف الظاهر قطعا حيث ان الآيات صريحة في الحديث مع المشركين المستحقين للويل نتيجة عدم إيتائهم الزكاة وإنكارهم المعاد.

الثاني: ان من المحتمل ان لم يكن ظاهراً في ان المكلف بالزكاة يصير مشركاً بعدم إخراجها ويكون كافراً بالآخرة فلا دلالة للآية في إرادة خصوص المسلم او الأعم منه ومن الكافر فتكون مجملة وأجنبية عما نحن فيه وبهذا الاحتمال يسقط الاستدلال بها[7].

وفيه: إن الآيات في مقام الحديث عن المشركين-وهذا قرينة داخلية على إرادة غير المسلم-بل توجد قرينة أخرى وهي إنكار المعاد على انه قسيم لعدم الإخراج لا أنه نتيجة لعدم الإخراج. وبه يرتفع الإجمال ويكون الاستدلال بالآيات سالم عن الإشكال.

4-الاستناد إلى جملة من النصوص الظاهرة في عمومية التكاليف للكفار وشمولها لهم كشمولها للمسلمين:

منها: ما دل على وجوب الخمس والزكاة عليهم لكونها من الأحكام الوضعية وذلك من اجل الأدلة الدالة على اشتراك المال بين الفقير والمالك في الزكاة وبين الإمام والسادة والمالك في الخمس، فلو كان دليل التكليف قاصراً إلا أن دليل الوضع سالم من ذلك.
وأجيب عنه بما حاصله: إن الادلة لا إطلاق فيها، بل هي واردة لبيان تعيين المقدار الواجب خمساً او زكاة لا بيان من تجب عليه الزكاة والخمس. مضافا لصحيحة زرارة-المتقدمة-الدالة على ان الكافر لا يكلف بالولاية الا بعد الإسلام مع أنها من أهم فروع الدين فكيف ببقيتها[8].

وقد تضمن كلامه(ره) دعاوى ثلاث:

الأولى: منع وجود إطلاق في النصوص؟
الثانية: إن أقصى ما تدل عليه النصوص المذكورة، هو بيان المقدار الذي يلزم فقط.
الثالثة: معارضة ما ذكر لصحيحة زرارة المانعة من ثبوت تكليف الكفار بالولاية ما لم يلتـزم بالشهادتين، فمن باب أولى أنه ما لم يلتـزم بهما، لا يكون مكلفاً بالفروع، ما دام لم يلتـزم بالولاية.

وفيه: إن دعوى أما الدعوى الثالثة، فقد تقدمت الإجابة عنها عند استعراض أدلة المانعين من ثبوت التكليف، فليراجع.
وأما الدعويان الأخريان، فيدفعهما الظهور المستفاد من نفس النصوص، فلاحظ: إن الله عز وجل فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم انهم لم يؤتوا من قبل فريضة الله عز وجل …الخ…)[9]وغيرها من النصوص.

ومنها: رواية البزنطي قال ذكرنا له الكوفة وما وضع عليها من الخراج وما سار فيها أهل بيته. فقال: من اسلم طوعاً تركت أرضه في يده واخذ منه العشر مما سقت السماء والأنهار ونصف العشر مما كان بالرشا فيما عمروه منها وما لم يعمروه منها أخذه الإمام فقبله ممن يعمره، وكان للمسلمين وعلى المتقبلين في حصصهم العشر ونصف العشر وليس في اقل من خمسة أوساق شيء من الزكاة، وما اخذ السيف فذلك إلى الإمام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول الله(ص) بخيبر قبل سوادها وبياضها يعني أرضها ونخلها والناس يقولون لا تصلح قبالة الأرض والنخل وقد قبل رسول الله(ص) خيبر وعلى المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر ونصف العشر في حصصهم، وقال: إن أهل الطائف اسلموا وجعلوا عليهم العشر ونصف العشر في حصصهم وان مكة دخلها رسول الله(ص) عنوة وكانوا إسراء في يده فاعتقهم وقال اذهبوا فانتم الطلقاء[10]. وتقريب الاستدلال:

إن الرواية تشير إلى أمرين :
1-إلزام الكفار بالجزية 2-مصالحته (ص) إياهم بالزكاة وهو العشر أو نصفه في الأرض والنخل، وهذا دليل

واضح على ثبوت الزكاة عليهم فعلى الأقل يدل على ثبوت الحكم الوضعي، بل يدل على تكليفهم بالفروع.
وقد أجيب عنها بما حاصله:

أولا: إن الرواية ضعيفة بعلي بن أشيم فانه لم يوثق ولم يمدح.
ثانياً: لعل المتقبل معه (ص) من المسلمين، فلا ظهور لها في الكافر.
ثالثاً: بعد التسليم بكون الطرف كافرا إلا أن مفاد الرواية أن وجوب العشر للشرط في مقتضى العقد، وهو أجنبي عن تعلق الزكاة[11].
ويجاب عنه فنقول: أما الأول وان كان ما ذكر حق، إلا انه توجد رواية بنفس المضمون صحيحة السند[12].

وعن الثاني: إنه مجرد دعوى عهدتها على مدعيها.
وعن الثالث: بان ما أفاده(ره) وارد في خصوص الرواية، أما بالنسبة للصحيحة فانه صريح على أنه زكاة لا انه واجب شرطي في ضمن العقد.

نعم إن من المظنون قويا هو اتحاد الخبرين، فيشكل تصحيح الرواية الثانية وان اندفع إشكال المستشكل من جهة الشرط إلا أن إشكاله السندي باق على حاله، فتأمل جيداً.

6-قاعدة الجب، المستفادة من قوله(ص): الإسلام يجب ما قبله[13]. وتقريب دلالتها على المدعى أن يقال: إن مقتضى الالتـزام باختصاص الأحكام الفرعية بخصوص المؤمنين، فلا تشمل الكفار، يستوجب دلالتها على جب خصوص الكفر والشرك الحاصلين قبل تحقق الإسلام من المكلف، فلا تكون جابة لشيء آخر، لأن الفرض أنه لا يتوجه للكافر شيء آخر سوى الإسلام.

مع أن هذا خلاف ما عليه الأصحاب من الاستدلال بها على جب جملة من الأحكام الفرعية، كترك الصلاة، والصوم، والزكاة، وأمثال ذلك. فيتحصل ظهورها في الاشتراك، فلاحظ.

7-ما يمكن أن يقال: من أنه لو لم يلتـزم بثبوت التكليف للكفار بالفروع، لزم أن يكون الكافر القاتل للنبي(ص) والمعين له من الكفار متساويـين في العقاب، لأن المفروض أنهما غير مكلفين، مع أن الضرورة العقلية قائمة على خلاف ذلك جزماً، ولا ريب في أن منشأ هذه الضرورة العقلية يعود لكون الكافر معاقباً بالفروع كمعاقبته بالأصول[14].

إن قلت: إنه لا توجد ملازمة بين نفي التساوي بينهما في العقاب من جهة حكم العقل، وبين كون الكفار مكلفين بالفروع، إذ يمكن أن يكون منشأ استحقاق القاتل عقوبة أشد تعود لقبح القتل مطلقاً حتى عند الكفار.

قلت: إن ما ذكر وإن كان صحيحاً، إلا أن مجئ الإسلام صار سبباً ناسخاً لجميع الشرائع السابقة، فلا دين غيره حتى يكون التفاوت لأجل مخالفة ذلك الدين دون الإسلام، فلا ينافي عدم كونه مكلفاً في شرعنا الذي هو محلا لخلاف في هذا المقام، فلاحظ.

وقد تأمل العلامة المراغي(ره) في تمامية الدليل المذكور، لوجهين:

الأول: إن الفرض المذكور فيه وهو مسألة القتل خارجة عن محل النـزاع كما عرفت ذلك فيما تقدم، إذ قد اتضح فيما سبق التفصيل بين ما كان من المستقلات العقلية، وبين ما كان مستفاداً من الشرع ابتداءً، ولا يختلف اثنان في كون قبح القتل مما يستقل العقل بالحكم بقبحه.

الثاني: إن النسخ المتصور للإسلام لما سبقه من الشرائع لا يتصور فيما استقل العقل بقبحه، بل هو باقٍ على حكم الشرائع السابقة، وهذا يعني أنه محكوم عليه بالقبح في تلك الشرائع، كما يحكم عليه بالقبح في هذه الشريعة أيضاً[15].

8-الاستناد للملازمة بين ثبوت الأحكام الوضعية والتكليفية، فثبوت الأحكام الوضعية في حق الكافر، يستوجب ثبوت الأحكام التكليفية عليه، توضيح ذلك:

لا ريب في ثبوت الأحكام الوضعية في حق الكافر، كثبوته في حق المسلم، فكما أن المسلم يثبت في حقه الزوجية، والملكية، والنجاسة، والطهارة، وكذا تثبت في حقه الحقوق، من حق الجناية، وحق الرهانة، وما شابه ذلك، فإنها ثابتة في حق الكافر أيضاً.

ومقتضى الالتـزام بثبوت الأحكام الوضعية في حق الكافر، يستوجب الالتـزام بثبوت الأحكام التكليفية في حقه أيضاً، وجه الملازمة يعود إلى أن جملة من الأحكام الوضعية تتقوم بجملة من الأحكام التكليفية المناسبة له، ولا يمكن تجريده عنها، وإلا أصبح لغواً، بل نحواً من التناقض في الاعتبار، فالملكية مثلاً من مقتضياتها عدم جواز تصرف الغير في الشيء بدون إذن مالكه، سواء كان ذلك الغير كافراً أم كان مسلماً، وكذلك الزوجية من مقتضياتها عدم جواز استمتاع غيره بها، وهكذا. ووفقاً لما تقدم يلزم القائل بثبوت الأحكام الوضعية على الكافر القول بثبوت الأحكام التكليفية المرتبطة بها عليه أيضاً، ومتى بنى على ذلك، لزمه القول بثبوت مطلق الأحكام التكليفية عليه، إذ لا فرق بينها وبين بقية الأحكام التكليفية، فلاحظ[16].

فتحصل إلى هنا تمامية ما عليه المشهور من تكليف الكفار بالفروع. فالمسألة بحمد الله واضحة وكانت عند الأعلام من القدماء مفروغاً عنها ولذا أرسلها في مستند الشيعة إرسال المسلمات لا كما ادعى بعض الأعلام من انه لعدم الدليل عليها[17].

تنبيهان:

الأول: قد يقال ان من المستهجن ان يخاطب الله عز وجل من كان كافراً بالتوحيد وبالرسالة بالأمور الجزئية.
وجوابه: إن الأحكام الشرعية لما كانت مجعولة بنحو القضايا الحقيقة على عناوينها الكلية الواجدة للمصالح والمفاسد المقتضية لها فلا استهجان في ذلك حيث ان الخطاب غير موجه لخصوص الكافر او المسلم بل هو متوجه للطبيعة العامة.

الثاني: لا يخفى عليك ان من الخطأ الخلط بين مسألتي القبول والتكليف كما عن صاحب المدارك وتابعه بعض الأعاظم (قده) بتقريب: إنه مادام لا يقبل منه العمل لو أداها فكيف يصح تكليفه به[18].

وهذا جوابه إن كفره وقع بسوء اختياره والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار وأما إن كان راجعاً لفقد بعض الأمور فهي أيضا اختيارية فالجواب هو الجواب.

ودعوى صحته ثبوتاً لا إثباتا لعدم كشف الملاك المصحح للعقاب [19]. مدفوعة بمناسبة الحكم والموضوع على أساس أن التكاليف الإلهية مجعولة من قبله تعالى على طبق المصالح والمفاسد والحكم فيكون الملاك في الجميع واحداً فتأمل جيداً.

ثمرة المسألة:

هذا وقد ذكرت عدة ثمرات للقول بكون الكفار مكلفين بالفروع، خلافاً لشيخنا التبريزي(ره)[20]، فإنه قائل بعدم ثبوت ثمرة فقهية لها، فمن تلك الثمرات الثابتة، جواز توكل المسلم عن الكافر في إجراء المعاملات الربوية، وأخذ الفائدة له، والشهادة على وقوعها، وفقاً للقول بعدم ثبوت تكليفهم بالفروع، بخلاف ما لو بني على مختار المشهور، فإنه لا يجوز شيء مما ذكر.

وكذا في حرمة التسبيب في صدور الحرام منه، فلو بني على كونهم مكلفين بالفروع، فيحرم للمسلم التسبيب في صدور ما هو محرم على المسلم من ذلك الكافر، وهذا بخلاف ما لو قيل بعدم ثبوت تكليفهم بذلك، فإنه لا يحرم شيء من ذلك، وهكذا.

وتتجلى هذه الثمرات في البلدان الغربية التي يكثر فيها عيش الكفار، فيستفيد من هذا المطلب المسلمون الذين يعيشون في بلاد الغربة هناك، فلاحظ.

[1] القواعد الفقهية للشيخ اللنكراني ج 1 ص 323-324.
[2] المستند في شرح العروة ج 23 ص 119-120.
[3] المرتقى في الفقه الارقى ص221.
[4] فقه العترة ص .
[5] الميزان في تفسير القران ج ص .
[6]المرتقى في الفقه الارقى ص222.
[7] المرتقى في الفقه الارقى ص222.
[8] فقه العترة ص .
[9] وسائل الشيعة ج9ب1ح2.
[10] وسائل الشيعة ب4 من زكاة الغلاة ح1 ص .
[11] فقه العترة في زكاة الفطرة ص .
[12] وسئل الشيعة ج15ب72 من جهاد العدوح2
[13] مستدرك الوسائل ب 15 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 2، ب 9 من أبواب القصاص في النفس ح 3.
[14] العناوين ج 2 ص 715.
[15] العناوين ج 2 ص 715.
[16] بحوث في شرح مناسك الحج ج 5 ص 294-295(بتصرف).
[17] المرتقى في الفقه الارقى ص223.
[18] مدارك الأحكام ج ص .فقه العترة ص .
[19] فقه العترة ص .
[20] التهذيب في مناسك العمرة والحج ج 1 ص 13.