18 أبريل,2024

المحسّن بن علي(ع): وجوده، ولادته، شهادته

اطبع المقالة اطبع المقالة

 

المحسّن بن علي(ع)

وجوده، ولادته، شهادته

من الشخصيات التي وقعت مورداً للبحث والخلاف في المصادر الإسلامية، شخصية المحسّن بن علي(ع)، فقد اختلف في وجوده وعدمه، فهل ولد للإمام أمير المؤمنين والسيدة الزهراء(ع) ولد بهذا الاسم أم لا؟

كما اختلف في كيفية ولادته، فهل ولد حياً ثم مات، أم أنه كان سقطاً؟ وهل كان ذلك في عصر النبي(ص) وقبل ارتحاله إلى عالم الآخرة، أم كان ذلك بعد وفاته(ص)؟ وما هي أسباب وفاته، وهل كانت ولادته ولادة طبيعية، أم كانت أثر حادث مؤلم نجم من الهجوم على بيت أمير المؤمنين(ع)، وتعرض السيدة الزهراء(ع) للعصر والضرب.

 

ووقع الخلاف أيضاً في تحديد زمان وفاته، بعد البناء على كونه موجوداً، وأن ذلك هل كان في عهد النبي(ص) أم كان بعد رحيله عن عالم الدنيا.

ومن المعلوم أن الوقوف على الحقيقة في هذا الأمر تستدعي ملاحظة ما ذكره مؤرخو المسلمين، وعرض رؤيتهم حول هذا الأمر.

 

ضبط الاسم:

 

ولا بأس قبل استعراض ما ذكره المؤرخون حول الشخصية محل البحث، أن يعمد إلى ضبط الاسم، وأنه يقرأ بتخفيف السين، فيقال: محسن، أو بتشديدها، فيقال: محسّن.

من الواضح، أنه لم يصلنا الاسم مضبوطاً، ولذا يمكن أن يقرأ مخففاً كما هو الشائع على ألسنة عامة الناس، وقد يقرأ مشدداً.

وقد ذكر بعض الباحثين، قراءته بالتشديد، وأقام لذلك قرينتين، تساعدان على ذلك:

 

الأولى: إن الشائع بين المسلمين في القرون والأعصار الأولى خصوصاً القرون الأولى في الإسلام، ضبط الاسم بتشديد السين. وقد نقل السيد محسن الأمين(ره) في كتابه أعيان الشيعة، نقلاً عن ابن حجر في كتابه تبصّر المنتبه في تحرير المشتبه، أنه رآه على هذه الصيغة. قال: محسن بن علي بن أبي طالب: في تبصّر المنتبه في تحرير المشتبه، لابن حجر العسقلاني، المحْسن بإسكان الحاء جماعة، وبفتحها وتثقيل السين، محسّن بن علي بن أبي طالب. وجدنا من الكتاب المذكور نسخة مخطوطة في بغداد في مكتبة السيد هبة الدين الشهرستاني[1].

 

وحاصل هذه القرينة أن الاستعمال الموجود خارجاً بتشديد السين، وليس بتخفيفها.

الثانية: تلفظ أسماء مجموعة من الأعلام، بتشديد السين، كهلال بن محسّن الصابي، مؤلف التاج في دولة الديلم، وعلي بن محسّن التنوخي، صاحب كتاب الفرج بعد الشدة.

 

وجوده:

وقع الخلاف بين علماء المسلمين في وجود هذا الولد للسيدة الزهراء(ع) وأنه أحد أبنائها، ونعرض في البين رؤيتين، رؤية علماء الجمهور، ورؤية علماء الشيعة.

 

رؤية علماء الجمهور:

أما علماء الجمهور، فلهم رأيان في المقام:

 

الأول: وهو ما أختاره كثير من كبار علمائهم طوال القرون، من عدّه ضمن أبناء الزهراء(ع) وأمير المؤمنين(ع). فقد نص على ذلك أحمد بن حنبل في المسند، والبخاري في الأدب المفرد، وابن قتيبة في المعارف، والبلاذري في أنساب الأشراف، والدولابي في الذرية الطاهرة، والطبري في تاريخه، وابن حبّان البستي في كتاب الثقات، والحاكم النيسابوري في المستدرك، وابن حزم الأندلسي في جمهرة أنساب العرب، والبيهقي في السنن الكبرى، وابن عبد البر القرطبي في الاستيعاب في معرفة الأصحاب، والشهرستاني في الملل والنحل، وابن عساكر الدمشقي في تاريخ دمشق، وابن الأثير في أسد الغابة، وغيرهم.

 

الثاني: ما أختاره نزر يسير منهم، من عدم ذكره ضمن أولادهما(ع). كابن سعد وابن أبي الدنيا، مع أن البناء على كون ابن سعد منكراً لعدّه من أولاد الزهراء(ع) فيه تأمل، فقد ذكر رواية تسمية أبناء أمير المؤمنين والزهراء(ع) بأسماء أولاد هارون: شبر وشبير ومشبِّر، الحسن والحسين والمحسّن، ما يعني اعترافه ضمناً بوجود سيدنا المحسّن.

 

رؤية علماء الشيعة:

وأما علماء الشيعة فالظاهر أن لهم أقوالاً ثلاثة:

 

أحدها: ما عليه الأكثر منهم، بل هو المشهور بينهم، من عدّه ضمن أولاد أمير المؤمنين والسيدة الزهراء(ع).

ثانيها: التردد في وجود مثل هكذا شخصية، وأنه من أولادهما(ع)، وهو يظهر من المفيد، والنسابة العلوي والطبرسي(ره).

ثالثها: البناء على عدم وجوده، وهو يظهر من الشريف ابن الطقطقي.

 

ويمكن عدّ الموجود عند علماء الشيعة قولين، وليس ثلاثة، وذلك بإرجاع الثاني منها للأول، بلحاظ أن منشأ التردد يعود إلى صدق عنوان الولد على المولود سقطاً وعدمه، وبالتالي لو بني على كونه ولداً فسوف يعدّ ضمن الأولاد، ولو لم يعد لم يحسب ضمنهم، وما يتصور من وجود اختلاف في صدق العنوان عليه من عدمه، هو الذي أوجب وجود حالة التردد، وهذا يعني أن المذكورين لا ينكرون وجوده، بل ظاهرهم التأمل في صدق عنوان الولد وعدمه، ولذا لو سألوا عن عدد الحمل الذي كان للزهراء(ع) من أمير المؤمنين(ع)، فلن يترددوا في ذكر السيد المحسّن(ع).

 

ومنه يتضح رجوع القول الثالث للأول أيضاً، فإن المتصور أن الإنكار ليس بمعنى عدم وجوده أصلاً، بل الظاهر رجوعه للبناء على عدم عدّ السقط ولداً، فتأمل.

ومن خلال ما تقدم يتضح انحصار الموجود عند الشيعة في قول واحد يتمثل في وجود شخصية المحسّن بن علي(ع)، وإنما الاختلاف بينهم في انطباق عنوان الولد عليه، من عدمه، لكونه قد ولد سقطاً.

 

زمان الولادة والوفاة:

لقد تضمنت المصادر الحديثية والتاريخية وكتب الأنساب لدى المسلمين الحديث حول ولادة المحسّن بن علي(ع)، ووفاته، إلا أن جملة منها قد خلت عن بيان كيف كانت تلك الولادة، وكيف ومتى كانت الوفاة، فلم تتعرض إلى أن ولادته هل كانت بصورة طبيعية كما هو المتعارف في كافة الولادات، أم أنها كانت نتيجة حادث مؤلم بسبب ما وقع على أمه(ع) من عصر وضرب. كما أنها لم تنص على تحديد زمان حياته ووجوده بصورة صريحة، وأن ولادته(ع) كانت في حياة جده رسول الله(ص)، أم كانت بعده، وهل أنه ولد حياً ثم مات، أم أنه ولد سقطاً نتيجة حادث مؤلم وقع على أمه عندما عصرت بين الحائط والباب، ما أوجب نزوله قبل وقته، واستهل ومات.

 

مصادر أبناء الجمهور:

أختلف علماء الجمهور القائلون بوجود المحسّن بن علي(ع) وأنه من ضمن أبناء السيدة الزهراء(ع) في تحديد زمان ولادته(ع) ووفاته، وأن ذلك كان في عصر رسول الله(ص)، أم كان بعده. فمنهم من ذكر تحديداً لزماني الولادة والوفاة، وإن اختلفوا في ذلك، كما ستسمع. وسكت أغلبهم عن الحديث في شأن ولادته، واكتفوا فقط بنقل الأخبار في وفاته صغيراً.

 

وهذا يشير إلى وجود قولين في تحديد زمان وجوده ووفاته:

الأول: أن وجوده(ع) كان في عصر رسول الله(ص)، وهذا يعني أن ولادته كانت في حياة جده المصطفى(ص)، وكذا وفاته(ع). ويعدّ أصحاب هذا القول نزراً يسيراً من علماء الجمهور.

الثاني: عدم ذكر تحديد لزمان وجوده ولادة ووفاة، وإنما اكتفي بالنص على كونه موجوداً، دون تحديد لزمان وجوده. وإنما اكتفوا فقط بنقل الأخبار في أنه توفي صغيراً.

 

أدلة القائلين بمعاصرته لجده(ص):

وقد استند القائلون بولادته في حياة جده رسول الله(ص) إلى أمور:

 

أحدها: ما نقله الحاكم النيشابوري في مستدركه عن أحمد بن حنبل، وقد أعتبرها صحيحة على شرط الشيخين، وهي رواية هانيء بن هانيء، عن علي(ع)، قال: لما ولد الحسن سميته حرباً، فجاء رسول الله(ص) فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قال: قلت: حرباً، قال: بل هو حسن، فلما ولد الحسين سميته حرباً، فجاء رسول الله(ص)، فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قال: حرباً، قال: بل هو حسين، فلما ولد الثالث سميته حرباً، فجاء رسول الله(ص)، فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قال: قلت: حرباً، قال: بل هو محسّن، ثم قال: سميتهم بأسماء أولاد هارون، شبر وشبير، ومشبر[2].

 

وهي تدل على ولادته(ع) في عصر جده رسول الله(ص)، وعليه لن يكون لما يذكره الشيعة من هجوم بعض الصحابة على بيت السيدة الزهراء(ع) موضع من الإعراب.

ولا يخفى أن الاستناد للخبر المذكور يقوم على وجود المقطع الثالث في الخبر، لأنه الذي يشير إلى ولادته في عصر النبي(ص)، ولذا لو لم يكن موجوداً فلن يصلح الخبر المذكور للدلالة على المدعى.

وهذا ما يلحظه القارئ لجملة من المصادر الحديثية الأخرى للجمهور، فقد خلت من ذكر هذا المقطع، وهذا يوجب التوقف في الرواية، فهل حذف لغاية ما، أم أنه أضيف لغاية ما.

وربما قيل: إنه يتمسك في المقام بأصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة في كتاب المستدرك، لتكون النتيجة البناء على وجود المقطع المذكور.

 

إلا أن الأصالة المذكورة معارضة بأصالة عدم الغفلة في جانب النقيصة بالنسبة للمصادر الأخرى التي خلت من ذكره، وهما أصلان عقلائيان لا مجال لترجيح أحدهما على الآخر، فلا مناص من تساقطهما بعد تعارضهما، وبالتالي لا مجال للاستناد للمقطع المذكور. هذا كله بعد التسليم بوجود هكذا أصلين عقلائيـين من الأساس، وإلا للتأمل في ذلك مجال واسع، يطلب من محله.

على أننا لو رفعنا اليد عن ذلك، فإن النص المذكور يتضمن أموراً توجب التوقف في قبوله:

 

أحدها: نصه على تسمية أمير المؤمنين(ع) أبناءه الثلاثة بحرب، وهذا مخالف لما جاء في مصادرنا من ناحيتين:

الأولى: أن التسمية لأبنائه(ع) لم تكن منه، وإنما كانت من رسول الله(ص) عن الله تعالى، حتى قيل ذلك في شأن مولاتنا زينب(ع). فعن الإمام زين العابدين(ع)، قال: لما ولدت فاطمة الحسن قالت لعلي سمه، فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله(ص)، فجاء رسول الله(ص)، ثم قال لعلي هل سميته؟ فقال: ما كنت لأسبقك باسمه، فقال: وما كنت لأسبق باسمه ربي عز وجل، حتى أمر الله جبرئيل(ع) بالنـزول على رسول الله مهنئاً، وقال له: قل له: إن علياً منك بمنـزلة هارون من موسى، فسمه باسم ابن هارون، فهبط جبرئيل فهنأه من الله عز وجل، ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تسميه باسم ابن هارون، قال(ص): وما كان اسمه؟ قال: شبر. قال: لساني عربي، قال: سمه حسناً. ومثل ذلك في شأن الإمام الحسين(ع).

الثانية: عدم اشتمال شيء من مصادرنا على قيامه بتسمية أحد منهم بهذا الاسم.

 

ثانيها: اشتماله على ما لا يمكن الالتزام به، وهو ما تضمنه من مخالفة صريحة منه(ع) لرسول الله(ص)، فقد تضمن الخبر نهيه(ص) إياه عن التسمية بحرب في ولده الأول، وكرر ذلك عند ولادة مولوده الثاني، ولما نهي عاد وكرر ذلك عند ولادة الثالث، وهذا لا ينسجم وما يذكره التاريخ، ومصادر الحديث من سيرة أمير المؤمنين(ع) مع رسول الله(ص)، وأنه ما كان يخالفه في شيء أبداً. ووجود مثل هذا المضمون في النص مانع من قبوله.

 

ثالثها: ما ذكره بعض المحققين(حفظه الله)، من أن سيرة أهل البيت(ع) قائمة على التمسك الكامل بالمبادئ الإسلامية، وإن الإصرار على التسميات غير الإسلامية، من قبيل التسمية بحرب، دليل على التخلف والعودة إلى الجاهلية والانحطاط الفكري والثقافي، وإن الإمام علي(ع) الذي رضع من مبادئ الإسلام في حجر النبي الأكرم(ص)، بريء كل البراءة من هذه التهمة.

رابعها: ما ذكره أيضاً، وهو يفيد وجود مانع من القبول بحجية الخبر المذكور، وهو منافاته لما أجمع عليه المؤرخون من عدم ولادة المحسّن بن علي(ع) في حياة النبي الأكرم(ص)، فكيف يكون الذي وضع له الاسم هو رسول الله(ص)، إن هذا يجعل الراوية المذكورة موضوعة ومختلقة[3].

 

خامسها: إن الخبر المذكور معارض بما رواه أحمد بن حنبل في مسنده، من أن أمير المؤمنين(ع) قد أسمى الحسن(ع) بحمزة، وأسمى الحسين(ع) بجعفر، وقد غيرهما رسول الله(ص).

هذا كله مع رفع اليد عن المناقشة السندية للخبر المذكور، ويكفي أن يحيط القارئ أن رواته يرمون بوضع الأحاديث، ويكفي أن تسمع أن الحديث المذكور ضعيف عند الجمهور، فكيف يصفه النيشابوري بالصحة وعلى شرط الشيخين.

ثانيها: ما رواه أسامة بن زيد، قال: كنا عند النبي(ص) فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه، وتخبره أن صبياً لها أو ابناً لها في الموت، فقال: للرسول: ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب، فعاد الرسول فقال: إنها قد أقسمت لتأتينها، قال: فقام النبي(ص)، وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل، وانطلقت معهم، فرفع إليه الصبي ونفسه تقعقع كأنها في شنة، ففاضت عيناه، فقال له سعد-معترضاً على بكاء النبي-: ما هذا يا رسول الله؟ فقال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء[4].

 

وقد رواه ابن حجر والشوكاني[5] عن مسند البزاز  بطريق ينتهي إلى أبي هريرة بهذه العبارة: ثقل ابن لفاطمة، فبعثت إلى النبي. وقد ذكر الشوكاني رواية أسامة هكذا: فأرسلت إليه إحدى بناته.

وقد أطال المؤلفان البحث حول الطفل المتوفى، فبحثا عن كونه ذكراً أو أنثى، وأثبتا ذكورته، ثم بحثا في المحتملات الممكنة في شأن أسباط النبي(ص)، فنقلا بعض الروايات في شأن علي ابن العاص، ابن زينب، عبد الله ابن رقية، والمحسّن بن فاطمة، لكونهم المحتمل أن يكون مصاديق الوليد المذكور في الخبر، وقد عينه ابن حجر في خصوص المحسّن، ومثل ذلك قال الشوكاني، ولم يكتفيا بتعيـينه في المحسّن، بل أدعيا اتفاق أهل العلم على أنه مات صغيراً في حياة النبي(ص).

 

ولا يخفى أن البناء على مقولة ابن حجر والشوكاني في تعيـين أن المقصود بالطفل الذي ثقل في عصر النبي(ص)، لو تم استناداً إلى خبر أبي هريرة الذي حكياه محتملة، إلا أنه معارض بما تضمنه خبر أسامة والذي لم يتضمن تحديداً لأم الطفل الذي ثقل. وهذا يعني أن من المحتمل جداً حصول حالة من الاجتهاد منهما في تحديد الطفل، كما يظهر من محاولة اثابتهما إياه، وتحديد أنه ذكر أو أنثى، وغير ذلك، فتأمل.

 

ومن الواضح جداً أن دافعهما في التعيـين والتحديد، والجهد الذي بذلاه هو العمد إلى تبرئة ساحة بعض الصحابة مما قاموا به من عمل، وبيان أن ما يقرره علماء الشيعة من هجوم على بيت الزهراء(ع) ليس صحيحاً.

وأما دعوى الإجماع من أهل العلم، فليست دقيقة، إذ أن اجماعهم منعقد على وفاة المحسّن(ع) صغيراً، ولم يتضمن تحديداً لوقت الوفاة، فضلاً عن وقت الحياة، والظاهر أن الرجلين أعني ابن حجر والشوكاني، قد أضافا إلى كلامهم عبارة في عصر النبي، أو في حياته(ص). ويساعد على ما قلناه خلو كلمات من ذكر ذلك منهم، فراجع كلام ابن حزم الأندلسي، وأبي الفداء، والقندوزي، واليعقوبي، وابن كثير، وابن قتيبة، والطبري، وغيرهم، بل إن ابن حجر نفسه، قد خلت كلماته من التنصيص على كون ذلك في عصر رسول الله(ص)، فإن عبارات من ذكرنا خالية من التنصيص على أن وفاته كانت في عصر النبي(ص). بل إن بعض كلماتهم تضمنت ما ينافي خبر أبي هريرة، فقد جاء في بعضها: مات صغيراً جداً إثر ولادته، كما في كلام ابن حزم، وهي تنافي مرضه، وأنه مات فيه كما في خبر أبي هريرة.

 

ثالثها: لقد عدّه ابن الأثير في كتابه أسد الغابة في معرفة الصحابة ضمن أصحاب رسول الله(ص)، وقد استند في ذلك إلى خبر هانيء بن هانيء، ومن المعلوم أنه لا يعدّ الشخص من الصحابة ما لم يكن معاصراً لرسول الله(ص)، وعاش في عصره، حال حياته.

وتعرف الجواب عن هذا الأمر بمعرفة الجواب عن مستنده، إذ قد سمعت أن البناء على كونه صحابياً قد نشأ من خبر هانيء، ومع عدم صلوح خبر هانيء للدلالة على إثبات وجوده في عصر رسول الله(ص) يثبت عدم كونه من الصحابة.

 

أدلة القائلين بعدم معاصرته لجده(ص):

واستند القائلون بولادته بعد رحلة النبي الأكرم محمد(ص) من الدنيا إلى أمور:

 

أحدها: ما جاء في كلام النظام[6] المعتزلي، في ما حكاه عنه الشهرستاني في كتابه الملل والنحل، وهو الرأي الحادي عشر من أرائه، حيث قال: إن عمر ضرب فاطمة يوم البيعة، حتى ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح أحرقوا دارها بمن فيها[7].

وقد عدّ الصفدي ما صرح به النظام من متفرداته، وقد أوجب قوله بهذا الرأي تكفير بعض أهل السنة له.

وكيف ما كان، فإن الكلام المذكور صريح في عدم حصول الولادة للمحسّن(ع) في عصر النبي(ص)، بل كان ذلك بعد وفاته(ص)، لأن القوم إنما قاموا على باب بيت الزهراء(ع) يوم جاءوا يطلبون البيعة للرجل من أمير المؤمنين(ع)، وقد كان ذلك بعد وفاة النبي(ص).

 

ثانيها: ما ذكره ابن أبي دارم، وقد ذكر في حاله في مصادر القوم الرجالية، أنه كان مستقيم الأمر عامة دهره، ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب، حضرته ورجل يقرأ عليه أن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسّن[8].

ثالثها: ما ورد في كلام ابن أبي الحديد المعتزلي، فقد روى عن ابن إسحاق: إن هبار بن الأسود روع زينب ابنة رسول الله، بالرمح وهي في الهودج، وكانت حاملاً، فلما رجعت طرحت ما في بطنها، وقد كانت من خوفها رأت دماً وهي في الهودج، فلذلك أباح رسول الله يوم فتح مكة  دم هبار بن الأسود-إلى أن قال-وهذا الخبر قرأته على النقيب أبي جعفر، فقال: إذا كان رسول الله أباح دم هبار بن الأسود لأنه روع زينب فألقت ذا بطنها، فظاهر الحال أنه لو كان حياً لأباح دم من روع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها، فقلت: أروي عنك ما يقوله قوم أن فاطمة روعت فألقت المحسّن، فقال: لا تروه عني، ولا ترو عني بطلانه فإني متوقف في هذا الموضع، لتعارض الأخبار عندي فيه[9].

 

والظاهر أن الثابت عنده عدم حصول ولادة المحسّن(ع) في حياة رسول الله(ص)، وأن ذلك كان بعد خروجه من الدنيا، وإنما نقاشه في أن ولادته كان نتيجة ذلك الهجوم الغاشم على بيت السيدة فاطمة(ع)، أم لا.

رابعها: ما رواه الواقدي، وابن خيزرانة، قال: قال زيد بن أسلم كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين امتنع علي وأصحابه عن البيعة أن يبايعوا، فقال عمر لفاطمة: أخرجي من في البيت وإلا أحرقته ومن فيه-إلى أن قال-وفي البيت علي وفاطمة والحسن والحسين وجماعة من أصحاب النبي، فقالت فاطمة: تحرق على ولدي؟ فقال: إي والله، أو ليخرجن وليبايعن.

 

وقريب من هذا المعنى ورد أيضاً في كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة.

 

مصادر الشيعة:

لم يشتمل مصدر من مصادر علماء الشيعة على حصول ولادة المحسّن، ابن علي بن أبي طالب(ع) في حياة رسول الله(ص)، بل كلها متفقة ومجمعة على أن ذلك كان بعد وفاته. وأن ولادته كانت نتيجة هجوم أنصار الخليفة الأول على بيت الصديقة الزهراء(ع) لأخذ البيعة من أمير المؤمنين(ع)، وغيره من بني هاشم وشيعته، كما أنهم يعتقدون بأن من أسماه محسّناً هو النبي(ص) لما حملت به أمه(ع)، ويشير لذلك ما جاء في الكافي عن أبي عبد الله(ع)

وكيف ما كان، فقد استدل الشيعة في ما ذهبوا إليه من تحديد زمان ولادته، بل ووفاته بأمور:

 

الأول: ما جاء في كتاب سليم بن قيس، وقد جاء فيه: وقد كان قنفذ ضرب فاطمة(ع) بالسوط حين حالت بينه وبين زوجها، وأرسل إليه عمر: إن حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها، فألجأها قنفذ إلى عضادة باب بيتها، ودفعها فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت صلى الله عليها من ذلك شهيدة[10].

 

وفي المصدر كلام طويل، فتارة يقع البحث في صحة نسبة الكتاب لمؤلفه كما عن ابن الغضائري، وأخرى يقع الكلام في صحة الطريق إليه، وقد عمدنا لتفصيل ذلك في الحديث حول كتاب سليم بن قيس، فراجع.

وقد يمنع من الاستناد للخبر المذكور، بعيداً عن الإشكال في مصدره، بعدم نقل هذا الخبر بعد راويه أعني سليماً إلا شخص واحد جاء بعد ذلك بعشرة قرون تقريباً، كما أنه لم يتبن هذا الخبر ما بين القرن الحادي عشر والرابع عشر إلا رجلين، وهما العلامة البحراني، والعلامة المجلسي، وكانا متعاصرين. نعم قد كثر نقل الحبر المذكور بعد القرن الرابع عشر[11].

 

ولا يخفى وهن هذا الإشكال، بل ضعفه، إذ فرق بين عدم وجود الحديث المذكور في المصادر التي وصلتنا، وعدم نقله في شيء من المصادر أصلاً، لأن من المحتمل جداً أن يكون قد نقل في شيء من المصادر التي لم تصلنا وهو غير قليل.

على أن الظروف الموضوعية التي كان يعيشها الوسط الشيعي والملاحقة الشديدة جداً، كفيلة بأن تمنع من نقل الخبر المذكور، بل إن قراءة سيرة سليم بن قيس، وكيف أنه أجاز كتابه لراويه، يكفي لمعرفة ما في الإشكال المذكور من خدشة، ووضوح الإجابة عنه.

 

وأما الموجب لظهور مثل هذه النصوص في القرن الحادي عشر، فذلك لبداية ظهور الدول الشيعية، ما أعطى فسحة لنقل مثل هذه الأمور، وهذا يساعد أنها كانت متداولة، إلا أنها لم تكن بارزة للعيان، بل كانت تحكى وتنقل خفية.

الثاني: ما جاء في كتاب الاختصاص عن الإمام الصادق(ع): أن فاطمة الزهراء(ع) بعد أخذ أبي بكر فدكاً منها دارت حول بيوت المهاجرين والأنصار مدة أربعين يوماً، دون أن يستجيب أحد منهم لمساعدتها، حتى تحدثت مع أبي بكر على انفراد، فكتب كتاباً بإرجاع فدك إلى فاطمة(ع)، ولكنها وفي طريق عودتها صادفت عمر فطلب منها الكتاب، فامتنعت من دفعه إليه، فرفسها برجله، وكانت حاملة بابن اسمه المحسّن، فأسقطت المحسّن من بطنها، ثم لطمها، فكأني أنظر إلى قرط في أذنها حين نفقت، ثم أخذ الكتاب فخرقه. ثم بقيت الزهراء مريضة خمساً وسبعين يوماً، حتى ماتت متأثرة بتلك الضربة[12].

وقد اعترض في المقام بأمور:

أحدها: إن بين النصين السابقين تعارضاً في المضمون، فإن المستفاد من النص الأول أن اسقاط المحسّن واستشهاد السيدة الزهراء(ع)، قد حدث إثر هجوم أعوان الخليفة الأول في الأيام الأولى التي تلت رحيل النبي(ص) من ضغط الباب وكسر الضلع وملازمتها(ع) للفراش، وعدم مبارحة المنـزل. في حين تثبت الرواية الثانية أنها(ع) قد حاججت أبا بكر والآخرين مراراً من أجل استعادة فدك، واختلفت إلى دور الأنصار هي وزوجها والحسن والحسين مدة أربعين يوماً بعد رحيل رسول الله(ص)، كانت خلالها سالمة وأن اسقاط المحسّن قد حصل بعد أخذ الحجة على امتلاكها فدكاً من أبي بكر، وإثر رفس عمر لها بعد ذلك.

 

ومن البديهي أنه إذا كان إسقاط المحسن قد حدث بفعل كسر الضلع وضغط الباب لما كان باستطاعتها الخروج من منـزلها التردد على أبي بكر وبيوت الأنصار والمهاجرين، والأهم من ذلك أن ذلك الجنين الواحد ليس بإمكانه السقوط أكثر من مرة، وعليه لابد أن تكن إحدى هاتين الروايتين ساقطة عن الاعتبار.

 

ثانيها: اشتمال الرواية على ما لا يمكن الالتـزام به، فقد تضمنت تهديد السيدة الزهراء(ع) بنقل الوصية إلى ابن الزبير، مع أنه لم يكن له من العمر حينها سوى عشر سنوات، وكان والده الزبير حياً، بالإضافة إلى وجود الكثير من الكبار من بني هاشم الذين هم أقرب إليها، كالعباس بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب.

 

ثالثها: التشكيك في مصدر الرواية، وهو كتاب الاختصاص للشيخ المفيد، فإن للأعلام كلاماً كثيراً في صحة نسبته له(ره)، وقد أطالا لكلام في ذلك الشيخ الشبيري الزنجاني[13].

ويلاحظ عليه، أما بالنسبة للأمر الأول: فإن الوارد في النصوص أن خروجها للمرور على بيوت الأنصار كان على دابة ركبت عليها، وهذا لا يمنع أن يكون ذلك خلال فترة مرضها، والتعبير بعدم مبارحتها للفراش، يشير إلى بقاءها فيه، لا نفي خروجها وعدم قيامه منه مطلقاً، فإن هذا التعبير كناية عن كون الشخص عليلاً، لا أنه لا يقوم أبداً.

 

وأما التعبير بوجود التعارض المضموني، فإنه أمر يعرفه كل من له دراية بالمصادر التاريخية، إذ أن ذلك موجود وبكثرة، ولا يوجب وجوده نفي أصل الحادثة، لأن الاختلاف في بعض حيثياتها، لا يعد مانعاً من القبول بأصل الحدث، كما لا يخفى.

على أنه لو سلم بوجود المعارضة المضمونية كما قرر، فإنه يمكن البناء على رفع اليد عن إحدى النصين والبناء على النص الآخر لأي موجب من موجبات التقديم، وبالتالي سوف يكون البناء على حصول الحدث وتحققه، وهذا هو المطلوب.

 

مع أن الموجود في كتاب سليم بن قيس ينسجم مع الوارد في كتاب الاختصاص، فإنه لم يتضمن أن الأحداث التي جرت على آل الرسول(ص)، كانت في الأيام الأولى من رحلته(ص)، قال: بعد أن اغتصبت الخلافة من علي(ع) حمل فاطمة(ع) والحسن والحسين ليلاً، وطاف بهم على بيوت المهاجرين والأنصار، فدعاهم إلى نصرته، فما استجاب له منهم إلا أربعة، فلما رأى علي(ع) غدرهم وقلة وفائهم له لزم بيته، وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه، وبعث إليه أبو بكر: اخرج فبايع، فبعث إليه علي(ع): إني مشغول، وقد آليت على نفسي يميناً أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه، فسكتوا عنه أياماً…ألخ….

 

وهذا يشير إلى أن تأخر وقوع حادثة الهجوم على بيت الزهراء(ع)، وأنها لم تكن في الأيام الأولى من وفاة النبي(ص).

وأما الأمر الثاني، فهو يشير للرواية التي تضمنت: أنه لما حضرت فاطمة(ع) الوفاة دعت علياً(ع)، فقالت: إما تضمن وإلا أوصيت إلى ابن الزبير، فقال علي: أنا اضمن وصيتك يا بنت محمد. فيكفي لدفعه احتمال وقوع التصحيف في الخبر المذكور، وأن المقصود هو الزبير، وليس ابنه، ومثل هذا ليس خفياً على أهل الدراية والمعرفة بالمصادر الحديثية، وهذا ليس عزيزاً في مثلها.

وأما ثالث الإشكالات المثارة، فالحق أنه من الأمور المبنائية، وليس أمراً بنائياً، فإنه كما يوجد من يشكك في صحة نسبة الكتاب لشيخنا المفيد(ره)، فإن هناك من يثبت نسبته إليه أيضاً.

 

الثالث: حديث المعراج، وهو مروي عن الإمام الصادق(ع) وقد جاء فيه على لسان رسول الله(ص): أنه لما أسري به إلى السماء قيل له في ما قيل: وأما ابنتك فتظلم، وتحرم، ويؤخذ حقها الذي تجعله لها غصباً، وتضرب وهي حامل، ويدخل عليها وعلى حريمها ومنزلها بغير إذن، ثم يمسها هوان وذل، ثم لا تجد مانعاً، تطرح ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب[14].

 

وجاء فيه أيضاً: وأول من يحكم فيهم محسّن بن علي(ع)، وفي قاتله قنفذ، فيؤتيان-هو وصاحبه-فيضربان بسياط من نار لو وقع سوط منها على البحار لغلت من مشرقها إلى مغربها، ولو وضعت على جبال الدنيا لذابت حتى تصير رماداً، فيضربان بها، ثم يجثوا أمير المؤمنين(ع) بين يدي الله للخصومة مع الرابع، فيدخل الثلاثة في جب فيطبق عليهم لا يراهم أحد ولا يرون أحداً[15].

 

وقد نوقش النص المذكور بإشكالين:

الأول: ضعف سنده، حيث نص السيد الخوئي(قده) على ضعف أكثرهم.

الثاني: عدم تداول النص المذكور في المصادر الحديثية حقبة طويلة من الزمن، فلم ينقلها معاصرو ابن قولويه إلى القرن العاشر[16].

ويدفعان، أما الأول: بأن الرواية محل البحث رواية تاريخية، ولا يعتبر فيها وثاقة الرواة الواقعين في سندها. مع أنه يحتمل قوياً جداً أن تكون الأسماء المذكورة مستعارة عملاً بمبدأ التقية، كما لا يخفى.

 

وأما الثاني: فإن من الطبيعي جداً أن لا تنقل الرواية المذكورة في مصادر متعددة، لأن من يلحظ الواقع المرّ الذي كان يعيشه الشيعة من السلطات يقف على خطورة الأمر والموقف، وبالتالي عدم تداول نص ما بمثل هذه المعلومات وخطورتها لا يعدّ مانعاً من حجيته.

 

وبكلمة أخرى، كأن الكاتب المذكور يلمح إلى وجود حالة من الإعراض، بل الهجر من الأصحاب لهذا النص، فإنه كان بمرأى منهم، إلا أنهم لم يعملوا به، وهذا ليس صحيحاً، فإن مادة الحديث مانعة من تداوله بصورة مطلقة، وموجبة لحذر في نقله، قدر المستطاع.

 

الرابع: ما رواه المفضل بن عمر على ما في البحار نقلاً له عن بعض مؤلفات أصحابنا، عن الصادق(ع)-في حديث-: وإشعال النار على باب أمير المؤمنين، وسمّ الحسن، وضرب الصديقة فاطمة بسوط قنفذ، ورفسه في بطنها، وإسقاطها محسناً، وأخذ النار في خشب الباب وإدخال قنفذ(لع) يده يروم فتح الباب وضرب عمر لها بسوط أبي بكر على عضدها حتى صار كالدملج الأسود المحترق، وأنينها من ذلك، وبكاها، وركل عمر الباب برجله حتى أصاب بطنها وهي حاملة بمحسّن لستة أشهر، وإسقاطها، وصرختها عند رجوع الباب وهجوم عمر، وقنفذ وخالد، وصفقة عمر على خدّها حتى أبرى قرطها تحت خمارها فانتثر، وهي تجهر بالبكاء، وتقول: يا أبتاه، يا رسول الله، ابنتك فاطمة تضرب، ويقتل جنين في بطنها، وتصفق يا ابتاه، ويسقف خد لها طالما كنت تصونه من الضيم والهوان.

 

وجاء فيه أيضاً: فصاح أمير المؤمنين بفضة: إليك مولاتك فاقبلي منها ما يقبل النساء، وقد جاءها المخاض من الرفسة وردة الباب، فأسقطت محسّناً عليه قتيلاً.

وفيه أيضاً: ويأتي محسّن مخضباً بدمه، تحمله خديجة ابنة خويلد، وفاطمة ابنة أسد، وهما جدتاه، وجمانة عمته ابنة أبي طالب، أسماء بنت عميس، صارخات أيديهن على خدودهن، ونواصيهن منشرة، والملائكة تسترهن بأجنحتها، وأمه فاطمة تصيح وتقول:- (هذا يومكم الذي كنتم توعدون)، وجبريل يصيح ويقول: مظلوم فانتصر، فيأخذ رسول الله محسّن على يده، ويرفعه إلى السماء، وهو يقول إليه صبرنا في الدنيا احتساباً، وهذا اليوم:- (تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً)[17].

 

وقد أورد عليه، بأن عبارة العلامة المجلسي(ره): ورويَ في بعض مؤلَّفات أصحابنا. توحي بعدم اعتباره للرواية، فضلاً عن عدم اعتباره لمصدرها، وإلا  لو كان المصدر معتبراً لنص عليه باسمه، كما لا يخفى[18].

والظاهر أن الأمر على خلافه تماماً، فإن اكتفاء العلامة المجلسي(ره) بالإشارة للمصدر بقوله في بعض مؤلفات أصحابنا، كونه من المعروفية بمكان بحيث استغنى عن التصريح باسمه، ولعل ذلك لبعض الدواعي، سواء المرتبطة بعلم الدراية، كما يعرف ذلك أهل الاختصاص، أم لبعض الظروف الأمنية.

 

الخامس: ما جاء في كتاب دلائل الإمامة لابن جرير الطبري: وكان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطت محسناً، ومرضت من ذلك مرضاً شديداً، ولم تدع أحداً ممن آذاها يدخل عليها[19].

ويعدّ هذا النص من أقوى النصوص سنداً واعتباراً، ولا مجال للتشكيك في مصدره أعني كتاب دلائل الإمامة.

 

السادس: ما جاء في الأمالي لشيخنا الصدوق(ره) عن النبي الأكرم(ص)، مخبراً بما سيقع بعد رحيله من الظلامات على أهل بيته، قال: وأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين في الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي، وهي الحوراء الأنسية-إلى أن قال-وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي، كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي: يا محمداه، فلا تجاب-إلى أن قال: فتقدم علي محزونة مكروبة مغصوبة مقتولة، فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وذل من أذلها، وخلد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك آمين.

 

السابع: ما ذكره العلامة المجلسي(ره) في البحار، من خطاب به عمر بن الخطاب إلى معاوية بن أبي سفيان يخبره بحادثة الهجوم على الدار، وما قام به من عمل: فركلت الباب، وقد ألصقت أحشاءها بالباب تترّسه، وسمعتها وقد صرخت صرخة حسبتها قد جعلت أعلى المدينة أسفلها، وقالت: يا أبتاه، يا رسول الله، هكذا يفعل بحبيبتك وابنتك، آه يا فضة إليك خذيني، فقد والله قتل ما في أحشائي من حمل، وسمعتها تمخض، وهي مستندة إلى الجدار، فدفعت الباب. واشتد بها المخاض، ودخلت البيت فأسقطت سقطاً سماه علي محسّناً.

 

 

[1] أعيان الشيعة ج 9 ص 5.

[2] المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 165.

[3] المحسن السبط مولود أم سقط ص 54.

[4] صحيح مسلم ج 3 ص 39.

[5] فتح الباري المقدمة ص 264-265، نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار في أحاديث منتقى من الأخبار ج 4 ص 150.

[6] هو إبراهيم بن يسار، المعروف بالنظام، من كبارا لمعتزلة، وهو ابن أخت أبي الهذيل العلاف إمام المعتـزلة في زمانه، وقد ذكر الشهرستاني في كتابه الملل والنحل آرائه التي انفرد بها عن أصحابه.

[7] الملل والنحل ج 1 ص 57-58.

[8] ميزان الاعتدال في نقد الرجال ج 1 ص 139.

[9] شرح نهج البلاغة ج 14 ص 192-193.

[10] كتاب سليم بن قيس 2: 153.

[11] مجلة نصوص معاصرة العدد 21 المحسّن بن علي.

[12] الاختصاص ص 183-185.

[13] مجلة نصوص معاصرة العدد 21 المحسّن بن علي.

[14] كامل الزيارات 332، 335. وانظر: بحار الأنوار 28: 64.

[15] كامل الزيارات كامل الزيارات: 108، وانظر: بحار الأنوار 28: 64.

[16] مجلة نصوص معاصرة العدد 21 ص مقالة المحسّن بن علي.

[17] الإمامة الكبرى ص 417.

[18] مجلة نصوص معاصرة العدد 21 مقالة المحسّن بن علي.

[19] دلائل الإمامة ص 134.