28 مارس,2024

الظلامة الجسدية للزهراء (ع)

اطبع المقالة اطبع المقالة

☀️☀️مسائل و ردود☀️☀️

 

☀️☀️الظلامة الجسدية للزهراء(ع)☀️☀️

 

 

س: لماذا خلت خطبة السيدة الزهراء(ع) في المسجد وكذا في نساء الأنصار من الإشارة إلى ظلامتها الجسدية وما وقع عليها من كسر ضلع وإسقاط جنين وضرب وإحراق لدارها؟

وكذلك لماذا لم تتضمن خطب الإمام علي(ع) الإشارة إلى ذلك في كتابه نهج البلاغة مع أنه تعرض لوصف الحال بعد رسول الله(ص) من الناحية السياسية وأشار إلى منشأ المنهج الذي اتبعه في تلك الفترة؟ وكذلك لا نجد إشارة إلى ما جرى على الصديقة الطاهرة(ع) في كلمات الأئمة الأطهار(ع)، ألا يعتبر كل ذلك مساعداً للتشكيك في حصول أصل الحدث ووقوعه؟

 

ج: يتضمن السؤال المذكور دعاوى ثلاث يلزم الوقوف عند كل واحدة منها، لكن حذراً من الإطالة سوف أشير للثالثة بصورة موجزة وأركز على الأولى ومن خلال ذلك يتضح الحال أيضا في الدعويين الأخريين.

أما عدم تضمن النصوص الصادرة عن الأئمة الأطهار(ع) للإشارة للحدث ففي غير محله، لأن هناك نصوصا قد تضمنت الإشارة إليه، فقد ورد عن الإمام الصادق(ع) حديث ببيان كيفية موتها وذكر بعض المشاركين في ذلك. وهذا الإمام الحسن(ع) يخاطب المغيرة بأنه ممن شارك في ضرب الصديقة الزهراء(ع).

كما يمكن استفادة حديثهم عن ذلك من خلال النصوص التي تضمنت عنايتهم الخاصة باسم فاطمة(ع) وبيان أهمية هذا الأسم ومزيد العناية به، وما كان يصاحب ذلك من حديث منهم عند ذكره، أو حالة كانت تعتريهم عند سماعه، فضلاً عن الإشارة ولو بخفاء لما وقع على صاحبته التي سُميت به، مثل قول الإمام الصادق(ع): فلا تضربها، وقد أبلغه أحد أصحابه أنه سمى ابنته فاطمة.

والحاصل، إن القول بخلو النصوص الصادرة عنهم من الإشارة إلى ذلك عهدته على مدعيه.

وأما خلو خطبتها المعروفة بالفدكية من الإشارة إلى ظلامتها الجسدية وما وقع عليها، وكذا خطبتها الأخرى في نساء الأنصار، فيعرف سبب ذلك بالدافع الذي دعاها(ع) لهاتين الخطبتين، فإن الأولى منهما وإن كان ظاهرها المطالبة بميراثها، إلا أن هناك أمراً أبعد كانت تسعى له(ع)، توضيح ذلك:

لقد وجد أمير المؤمنين(ع) نفسه أمام أمر واقعي لا مناص منه تمثل في تسلط أبي بكر على الخلافة وبيعة الناس له-سواء كان ذلك بالإختيار منهم أم كان بالإكراه-وكان عليه أن يتخذ موقفاً حيال هذا الواقع فكان أمامه(ع) خيارين:

الأول: أن يتخذ عنصر الصمت والإنكفاء على نفسه واعتزال الساحة السياسية، فيجلس في داره منقطعاً عن الناس جميعاً ودون أن يحرك ساكناً.

الثاني: أن يقوم بالمعارضة السياسية ورفض السلطة الحاكمة وعدم بيعتها، وهنا تصوران:

الأول: القيام بالإنقلاب العسكري المسلح من خلال تشكيل جبهة معارضة للسلطة والدخول في حرب وقتال.

الثاني: المعارضة السلمية التي يمكن من خلالها سلب الشرعية من السلطة المتصدية وبيان الخليفة الشرعي وتذكير الأمة بذلك لو كانت قد نسيت، وإقامة الحجة على من لم يكن عارفا بذلك.

ولا ريب في رفض الخيار الأول، لأنه يتنافى والشخصية العلوية والمنصب الذي جعله الله تعالى فيه.

وأما التصور الأول من الخيار الثاني، فمضافاً لتوقفه على توفر العدد والعُدَّة التي يمكنها القيام بذلك، فإن هناك موانع من قبوله:

منها: أنه يستوجب أضعاف الدولة الإسلامية الفتية بدخولها في هكذا صراع عسكري.

ومنها: ما سيترتب على ذلك من وقوع ضحايا بين المسلمين.

ومنها: أنه لن يكون وصوله(ع) للسلطة موجباً للقبول به لأن البعض ربما توهم أنه قد وصل إليها بالقوة والسيف وليس بجعل من الله تعالى.

وعلى أي حال، فإن هذه الأمور وغيرها تمنع من القبول بالتصور الأول، وبمقتضى القسمة الحاصرة يتعين الأمر في التصور الثاني من الخيار الثاني، فيكون الحل الأنجع أن يقوم(ع) بمعارضة سلمية يتسنى له من خلالها سلب الشرعية من الخلافة المتصدية وبيان عدم حقانيتها وأنه صاحب الحق المسلوب.

وهنا نحن أمام طريقين لتنفيذ هذه المعارضة:

أحدهما: أن يكون(ع) هو المتصدي للقيام بذلك بحيث يعمد ومن خلال أساليب وطرق لمعارضة السلطة سلمياً.

وهذا الطريق يحتمل فيه أن تتحول المعارضة السلمية إلى معارك عسكرية. كما أنه يعرض حياته(ع) للخطر، وأيضاً لن يكون وصوله للخلافة موجباً لاعتراف الآخر بكونها خلافة سماوية، بل ربما وهم أنها من خلال استعمال السيف والقوة.

ثانيهما: أن يتصدى غيره(ع) لذلك، ويلزم أن يكون المتصدي شخصاً يملك مقبولة عند المسلمين تحول دون تكذيبه والتشكيك في غرضه الدافع له في المعارضة للسلطة، ويملك امتيازا ومكانة خاصة في الوسط الديني.

ولم يكن هناك أحد أجدر بالقيام بهذه المهمة غير السيدة الزهراء(ع)، وذلك لسببين:

الأول: الرابطة النسبية بينها وبين النبي الأكرم محمد(ص) فإنه لا يوجد ابن له(ص) على قيد الحياة سواها، ومن الواضح أن هذا موجب للعناية الخاصة بالبقية الباقية منه(ص) خصوصاً وأن المسلمين قد سمعوه يقول: المرء يحفظ في ولده.

الثاني: النصوص النبوية والتي جاءت بألسنة مختلفة ومتعددة في الحديث عن فاطمة(ع) وفضلها، كقوله(ص): فاطمة بضعة مني، وفاطمة يرضى الله لرضاها، وباب فاطمة بابي وحجابها حجابي، وأم أبيها، وغير ذلك.

وهذا قد يعطي اطمئناناً بأن هناك إعداداً إلهياً للزهراء(ع) للتصدي لهذا الدور والقيام به ما يعني أن خروجها للمسجد للخطبة لم يكن مجرد ردة فعل قامت بها عند مصادرة أموالها أعني فدكاً، وإنما قامت تسلب الشرعية من الحكومة المتصدية وتدل على صاحبها، وجعلت فدكاً طريقاً لذلك كما أشار لذلك استاذ ابن ابي الحديد في حديثه معه.

ومع الإحاطة بأن خطبتها السيدة الصديقة(ع) كانت تمثل معارضة سلمية في المجال السياسي على السلطة فلم يكن مناسباً أن تتعرض للحديث عما جرى عليها من ظلامة جسدية خصوصاً وأن ذلك يكفل تحريك الشارع الإسلامي وربما أوجد ثورة عسكرية مسلحة لم تكن مرادة لها ولأمير المؤمنين(ع) والنبي(ص).

وربما كان هذا نفسه أيضا أعني المنهج السلمي المتبع في المعارضة هو الذي منع أمير المؤمنين(ع) من الحديث عن ذلك في خطبه في النهج، ولا يوجب بيانه(ع) لشرح الواقع السياسي في تلك الفترة للأمة أن يعمد لعرض هذه التفاصيل لمخالفته للمنهج المطلوب والمخطط له من الله سبحانه وتعالى. وكذلك الذي دعى الأئمة الأطهار(ع) من الإشارة إلى ذلك صريحاً في كلماتهم(ع).

على أنه لو رفعت اليد عن جميع ما قدم ذكره، أمكن القول بأنها(ع) قدمت الأهم على المهم لأنه دار الأمر بين الحديث عن ظلامتها الخاصة وبين ظلامة الأمة فقدمت الحديث عن ظلامة الأمة وجعلت فدكاً عنواناً وطريقاً لذلك واكتفت به عن الحديث عن ظلامتها، خصوصا وأنه متى ثبت ظلم السلطة للأمة فسيكون ظلمها لها ثابتاً بطريق أولى، وهذا المعنى جلي واضح في سيرة أمير المؤمنين(ع) من بعد رحلة النبي(ص) وحتى خروجه(ع) من الدنيا، حيث كان يؤكد على مصلحة الأمة الإسلامية وأهمية وحدة صفها وإن كان هو(بأبي وأمي) محطة للظلم، والله سبحانه العالم بحقائق الأمور وهو الهادي إلى سواء السبيل.