28 مارس,2024

الشهيد زيد بن علي(2)

اطبع المقالة اطبع المقالة

النصوص الذامة:

منها: رواية مؤمن الطاق أن زيداً بن علي بن الحسين(ع) بعث إليه وهو مختف، قال: فأتيته، فقال لي: يا أبا جعفر، ما تقول إن طرقك طارق منا، أتخرج معه؟ قال، قلت له: إن كان أبو وأخوك خرجت معه، قال، فقال لي: فأنا أريد أن أخرج أجاهد هؤلاء القوم فاخرج معي، قال، قلت: لا أفعل جعلت فداك، قال، فقال لي: أترغب بنفسك عني؟ قال، فقلت له: إنما هي نفس واحدة

فإن كان لله عز وجل في الأرض معك حجة فالمتخلف عنك ناج، والخارج معك هالك، وإن لم يكن لله معك حجة فالمتخلف عنك والخارج معك سواء، قال، فقال لي: يا أبا جعفر كنت أجلس مع أبي على الخوان فيلقمني اللقمة السمينة، ويبرّد لي اللقمة الحارة حتى تبرد من شفقته علي، ولم يشفق عليّ من حر النار، إذ أخبرك بالدين ولم يخبرني به؟ قال، فقلت له: من شفقته عليك من حر النار لم يخبرك، خاف عليك ألا تقبله فتدخل النار، وأخبرني فإن قبلته نجوت وإن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار، ثم قلت له: جعلت فداك أنتم أفضل أم الأنبياء؟ قال: بل الأنبياء، قلت: يقول يعقوب ليوسف:- (لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً)، ثم لم يخبرهم حتى لا يكيدونه، ولكن كتمهم، وكذا أبوك كتمك لأنه خاف عليك. قال، فقال: أما والله لئن قلت ذاك لقد حدثني صاحبك بالمدينة أني أقتل وأصلب بالكناسة، وأن عنده لصحيفة فيها قتلي وصلبي، فحججت فحدثت أبا عبد الله(ع) بمقالة زيد وما قلت له، فقال لي: أخذته من بين يديه، ومن حلفه، وعن يمينه، وعن يساره، ومن فوق رأسه، ومن تحت قدميه، ولم تترك له مسلكاً يسلكه[1].

وليس في سندها من يتأمل فيه، لأن أبان المذكور هو أبان بن عثمان الأحمر، والخلاف الموجود في معتقده لو صحت نسخة أنه من الناووسية، وليس القادسية، لا يضر لما ثبت في محله من أن المعيار في الحجية لخبر الثقة، فلاحظ. ودلالتها على الذم من ناحيتين:

الأولى: ظهورها في كون زيد لا يعرف إمام زمانه، بل ظاهرها في أنه ينكر وجود إمام بعد أبيه الإمام زين العابدين، ولا ريب في كون هذا من الأمور المذمومة في كل شخص، فكيف بمن تربى في حجر العصمة والطهارة، والإمامة.

الثانية: إقرار الإمام(ع) كل ما صدر من مؤمن الطاق، في محاججته مع زيد، ما يشير إلى عدم رضاه بفعله، وعدم قبوله بخروجه، فيكون خروجه من دون رضى من الإمام(ع).

ولم يرتض سيدنا الإمام الخوئي(قده) دلالتها على الذم، مع تسليمه بتمامية سندها، فذكر أن دلالتها على ذلك تتوقف على دلالتها على عدم اعتراف زيد بوجود حجة غيره، وأنه لو كان هناك حجة غيره لأخبره أبوه بذلك، وقد أجابه مؤمن الطاق، بأن أباه لم يخبره بالإمام من بعده، شفقة منه عليه، وهذه فاسدة جزماً. ومنشأ فساد كلام مؤمن الطاق، أنه من الفضلاء المبرزين، والذين يعلمون أنه لا يجوز إخفاء الإمامة من باب الشفقة النسبية، مع أن مقتضى عدم إخبار الإمام إياه بذلك يشير إلى أن زيداً كان من المعاندين بحيث لو أخبره الإمام(ع) بالإمام من بعده لم يقبله، وهذا لا يمكن أن يكون مورداً لشفقة الإمام(ع).

ثم إنه(قده) ذكر توجيهاً للمعتبر، بأن المقصود به أن زيداً طلب من مؤمن الطاق الخروج معه، تقوية منه لجانبه، لما له من المنـزلة، فكان جواب مؤمن الطاق أن الخروج لا يكون إلا بإذن من الإمام(ع)، وإلا كان الخارج هالكاً، ولم يكن بمقدور زيد إخباره بأنه مأذون من الإمام الصادق(ع)، لأن ذلك من الأسرار التي لا يجوز كشفها، ولهذا كان جواب زيد إياه بأنه شخص عارف بوظيفته، وأحكام دينه، واستدل على كونه كذلك بما يشبه النقض على مؤمن الطاق، بأنه كيف يخبرك أبي بمعالم الدين، ولا يخبرني بها، مع كثرة شفقته عليّ، وهو بهذا يشير إلى أنه لا يرتكب شيئاً محرماً، نعم لم يصرح له بوجود إذن عنده بالخروج حذراً من انتشاره، فيعرض الإمام(ع) للخطر. وقد فهم الأحول كلام زيد بصورة خاطئة، فقال بأن عدم إخبار الإمام زين العابدين(ع) لك من باب الشفقة عليك ، فعندها أجاب زيد(رض) بما يوحي بوجود الإذن، عندما حكى له مقالة الإمام الصادق(ع) إليه، وأنه يقتل ويصلب، ما يعني أنه لم يخرج طلباً لرئاسة والزعامة، ومع ذلك لم يصل الأحول لما كان يريد زيد بيانه إليه، ولهذا عندما حج وألتقى بالإمام الصادق(ع) عرض عليه ما دار بينهما من حوار، فجاوبه الإمام(ع) بما لا يفيد قدحاً في زيد، وإنما يدل على حسن مناظرة الأحول، ويساعد على ما ذكرنا من أن زيداً ليس كما فهم الأحول، ما تضمنته نصوص عديدة من اعتراف زيد بإمامة أئمة الهدى(ع)[2].

والإنصاف، أن جميع ما ذكره الإمام الخوئي(ره) خلاف الظاهر من النص، ولعل الداعي له لحمل النص على خلاف ظاهره ما أشار إليه في ذيل كلامه، من وجود منافاة بينه وبين نصوص عديدة، فيدور الأمر بين إسقاط بعضها جراء المعارضة، وعدم إمكانية الجميع بينها، وبين حمل بعضها على خلاف ظاهرها تأويلاً لها، ولعل الثاني بنظره(قده) أولى، لذا أقدم عليه. وإلا فإن إقرار الإمام الأحول في مناظرته لزيد، وقوله له: أخذته من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه وعن يساره، واضح في القدح، وفي رضاه(ع) عن مقولة الأحول، لا أنه يشير فقط إلى حسن مناظرته، وأي ثمرة ترتجى من حسن مناظرته. نعم لو أدعى الإمام الخوئي(ره) بأن تحسين الإمام(ع) لمناظرته كان نحواً من أنحاء التعمية على رضاه عن ثورة عمه، ما يدفع به عن نفسه الشبهة بالتأيـيد، ربما كان له وجه، فتأمل.

وبالجملة، دلالة النص إنصافاً على الذم، من جوانب متعددة غير منكورة، والتأويلات الواردة في كلام الإمام(ع) قد عرفت ما فيها.

ولا يذهب عليك أن ظاهر النص أن وقت خروج زيد كان في حياة الإمام الباقر(ع)، لأن الأحول ذكر أنه لو كان الطالب للخروج أحد اثنين، الإمام زين العابدين، أو الإمام الباقر(ع)، لخرج، مع أن ذيله، يشير إلى الإمام الصادق(ع)، ما يعني وجود تناقض في البين، فتأمل.

ولم يتضح وجه عدم إشارة الأحول إلى أنه لو كان طالب الخروج هو الإمام الصادق(ع) لخرج معه. نعم قد يكون موجب ذلك الخوف على الإمام(ع) بحيث يعتقد القوم أنه يملك تحركاً معارضاً وسياسياً ضد الدولة، فقصر الذكر على خصوص من توفي من الأئمة(ع)، ولم يشر لمن كان على قيد الحياة، فتأمل.

ومنها: ما رواه أبو الصباح، قال: دخلت على أبي عبد الله(ع) فقال لي: ما ورائك؟ فقلت: سرور من عمك زيد، خرج يزعم أنه ابن سبية، وهو قائم هذه الأمة، وأنه ابن خيرة الإماء. فقال: كذب، ليس هو كما قال، إن خرج قتل[3]. ولا مجال للتوقف في دلالتها على الذم، فقد كذبه الإمام(ع) وأي ذم أعظم من هذا، كما أنها تضمنت دعواه الإمامة، وأنه قائم آل محمد(ع).

ويمنع من الاستناد لهذا النص، وجود القاسم بن محمد بن الحسن، فإنه لم يوثق. ومحاولة حمل التكذيب على ما قبل خروج زيد، محاولة ضعيفة، كما أن محاولة جعل دلالتها على المدح قبل حصول الشهادة، كسابقتها، فتدبر.

ومنها: ما روي عن يونس بن عبد الرحمن عن علي بن رئاب، عن أبي خالد القماط، قال: قال لي رجل من الزيدية-أيام زيد-ما منعك أن تخرج مع زيد؟

قال، قلت له: إن كان أحد في الأرض مفروض الطاعة، فالخارج قبله هالك، وإن كان ليس في الأرض مفروض الطاعة، فالخارج والجالس موسع لهما، فلم يرد علي شيء. قال: فمضيت من فوري إلى أبي عبد الله(ع) فأخبرته، بما قال لي الزيدي، وبما قلت له-وكان متكئاً فجلس-ثم قال: أخذته من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وشماله، ومن فوقه ومن تحته، ثم لم تجعل له مخرجاً[4].

ولا تختلف دلالتها عن دلالة رواية مؤمن الطاق، فإنه(ع) قد أقرّ القماط في مقولته، وهذا يكشف عن عدم رضاه بالعمل الصادر من زيد، وعدم رضاه عن ثورته، نعم الرواية ضعيفة السند بمحمد بن جمهور.

ومنها: ما رواه حنان بن سدير، قال: كنت جالساً عند الحسن بن الحسين، فجاء سعيد بن منصور-وكان من رؤساء الزيدية-فقلت: ما ترى في النبيذ؟ فإن زيداً كان يشربه عندنا.

قال: ما أصدق على زيد أنه يشرب مسكراً. قال: بلى، قد شربه.

قال: فإن كان فعل، فإن زيداً ليس نبي ولا وصي نبي، إنما هو رجل من آل محمد(ص)، يخطئ ويصيب[5].

وسند هذا النص معتبر ليس فيه من يتوقف في قبوله، نعم ربما منعت دلالته على الذم، لأنه يتضمن شهادة فلابد من توفر بينة شرعية، والموجود شهادة واحدة تمثلت في حنان بن سدير. على أنه لو قيل بكفايته، لم يمكن التعويل عليه، لأن التعويل على شهادة العادل، وليس حنان كذلك، لأنه من الواقفة.

وهذا من الغرائب، لأن الشهادة فيا لمقام لن يترتب عليها إقامة الحد حتى تحتاج بينة شرعية، وإنما شهادة تكشف عن حسن حال، أو ضعفه، ولم يشترط الرجاليون في ذلك التعدد، وإنما جعلا لميزان أمراً آخر، كما فصل هناك. ومنه يتضح ضعف الجواب الثاني.

وبالجملة، إن المعتبر المذكور تام الدلالة على المدعى، من إفادته لذم زيد بن علي، فلاحظ.

ولنختم المقام، بذكر رواية عن زيد نفسه، فقد روى بكار بن أبي بكر الحضرمي، قال: دخل أبو بكر وعلقمة على زيد بن علي-وكان علقمة أكبر من أبي-فجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، وكان بلغهما أنه قال: ليس الإمام منا من أرخى عليه ستره، إنما الإمام من شهر سيفه، فقال له أبو بكر-وكان أجرأهما-: يا أبا الحسين، أخبرني عن علي بن أبي طالب(ع) أ كان إماماً وهو مرخي عليه ستره؟ أو لم يكن إماماً، حتى خرج وشهر سيفه؟

قال: وكان زيد يبصر الكلام، قال: فسكت، فلم يجبه، فرد عليه الكلام ثلاث مرات، كل ذلك لا يجيبه بشيء.

فقال له أبو بكر: إن كان علي بن أبي طالب إماماً، فقد يجوز أن يكون بعده إمام مرخي عليه ستره، وإن كان علي لم يكن إماماً، وهو مرخي عليه ستره، فأنت ما جاء بك هاهنا؟ قال: فطلب إلى علقمة أن يكف عنه فكف[6]. وقد تضمنت إنكاراً واضحاً من زيد لإمامة أبيه، وأخيه، وابن أخيه(ع)، لدخولهم ضمن من أرخى عليه الستر، ولم يشهر سيفه، ولو لم يقبل القول بكونه منكراً لذلك، لا أقل من كونه جاهلاً بمقام الإمامة. كما تضمنت دعواه الإمامة لنفسه، ولو بالدلالة الالتزامية، لأنه شهر سيفه.

هذا وقد يدعى أن ما تضمنه الخبر المذكور وإن كان تاماً، إلا أنه لم يحرز بقاء زيد على ذلك إلى آخر حياته، بل من المحتمل جداً أن يكون قد رجع عن ذلك قبل شهادته، وأنه قد عرف مقام الإمامة، وعرف إمام زمانه، بقرينة النصوص المادحة إليه، والمتضمنة إقراره بإمامة الإمام الصادق(ع).

وفيه: إن ما ذكر لا يخرج عن كونه دعوى عهدتها على مدعيها، والبناء على قرينية النصوص المادحة، ليس صناعياً، لأن المعارضة بين الطائفتين مستقرة، والجمع بينهما بما ذكر تبرعي، فتدبر. نعم ما يهون الخطب، أن الخبر المذكور ضعيف سنداً، فقد تضمن علي بن محمد بن قتيبة، وللبناء على عدم قبول روايته وجه قوي جداً، كما أنه تضمن محمد بن جمهور، وهو ضعيف، وفي سنده أيضاً بكار بن أبي بكر الحضرمي، وهو مجهول الحال.

ولا يسع هذا المختصر استقصاء جميع الروايات الذامة، وإنما عرضنا بعضاً منها، كما صنعنا في الروايات المادحة، وقد عرفت تمامية دلالة شيء منها، إلا أن ما تم منها دلالة على الذم، لم ينهض سنداً، فإن كان في البين تواتر، كان ذلك موجباً لوقوع المعارضة بينه وبين ما دلّ على المدح، وإلا لم يصلح للمعارضة، ذلك أن النصوص المادحة كما عرفت متواترة، وهذا يفيد قطعية صدورها، ونصوص الذم لو سلمت سنداً وتمت دلالة، فلن تخرج عن كونها خبر آحاد، وقد تقرر في محله، أن الظني، لا يصلح لمعارضة القطعي، فلاحظ[7].

[1] بحار الأنوار ج 46 ح 42 ص 180-181.

[2] معجم رجال الحديث ج 8 ص 368.

[3] بحار الأنوار ج 51 ص 42 ح 25.

[4] بحار الأنوار ج 46 ح 70 ص 197.

[5] بحار الأنوار ج 46 ص 194 ح 65.

[6] بحار الأنوار ج 46 ح 71 ص 197.

[7] يمكن للقارئ العزيز أن يرجع لكتاب معجم رجال الحديث للإمام الخوئي(ره)، ج 8 في ترجمة زيد بن علي، فقد استعرض الروايات الذامة كاملة، كما يمكن الرجوع لكتاب زيد الشهيد للسيد عبد الرزاق المقرم، وكذا لما كتبه السيد الأمين حول شخصية زيد بن علي، وكذا كتاب زيد بن علي للشيخ رافد التميمي.