29 مارس,2024

الشك في الصلاة

اطبع المقالة اطبع المقالة

تعريف الشك والظن:

إن الشك الذي نتحدث عنه في المقام هو تحير المكلف وتردده في وقوع الشيء وعدمه،بحيث يتساوى احتمال وقوع الفعل،واحتمال عدم الوقوع من دون رجحان أحدهما على الآخر.
وأما الظن فهو الحالة التي يكون فيها احتمال الوجود أو احتمال العدم أرجح من الآخر.
وقد ساوى الفقهاء في الحكم بين الشك والظن إذا وقعا في أجزاء الصلاة وأفعالها،فحكموا بضرورة الإتيان بالمشكوك قبل الدخول في الفعل الذي بعده كالشك في النية أو الشك في تكبيرة الإحرام أو الشك في الركوع ونحوها.
نعم في مورد التردد في عدد الركعات جعلوا الظن بالعدد ملحقاً بالعلم،ورتبوا على الشك أحكاماً خاصة.
ثم إن الاعتناء بالشك وملاحظة ما هو حكمه إنما هو في أثناء العمل،أما لو حصل له الشك بعدما فرغ من العمل كما لو شك في جزء من أجزاء الصلاة كشكه في أنه أتى بالفاتحة بعدما فرغ من الصلاة،فلا يعتني بشكه.
وكذا لو حصل له الشك في التسليم بأن كان شكه في صحة السلام الذي أتى به،أو كان شكه في الإتيان بالسلام بعدما عمل أحد مبطلات الصلاة كالحركة الكثيرة،فهنا أيضاً لا يعتني بشكه.
نعم لو كان شكه قبل ذلك يعني قبل الإتيان بالمنافي فعندها عليه أن يعتني بالشك فيلزمه أن يتدارك السلام ويأتي به.

كثير الشك:
هناك بعض الأشخاص يتكرر منهم الشك،فهؤلاء لهم حكم خاص وتوضيحه:
كثير الشك هو الذي يتكرر منه الشك في فعل خاص،أو الذي يتكرر منه الشك في كل فعل بنحو يتجاوز المألوف.
مثلاً يتكرر الشك منه في موضع واحد كما لو تكرر منه الشك في الركوع،فإنه يكون كثير الشك في هذا المورد ويكون له حكم خاص،لكن بالنسبة لبقية الموارد لو أصابه الشك فعليه أن يعمل بما هو وظيفة الشك.
هذا والمرجع في تحديد كثير الشك هو العرف،فهو يرى أن من شك في كل ثلاث صلوات مرة يعتبر كثير الشك.
وقد تتطور حالة كثير الشك لتبلغ الوسوسة،وهي حالة مرضية يسيطر فيها الشك على الذهن حتى لا يملك القطع بشيء على الإطلاق،أو بشيء خاص،مثل الشك الدائم في الطهارة للواسواسي بالنجاسة،أو بالنطق الصحيح بتكبيرة الإحرام أو القراءة.
ثم إن ترتيب آثار كثير الشك على المكلف إنما يصدق إذا صارت كثرة الشك له حالة طبيعة،لا أنها أصابته لبعض الظروف كما لو كان يعيش حالة من توتر الأعصاب لبعض الظروف الخاصة سببت له كثرة الشك والتـردد،فإن هذا لا يدخل في حكم كثير الشك.
وعلى أي حال حكم كثير الشك هو أن يأخذ بالحالة التي يعتبر عمله فيها صحيحاً،سواء كان شكه في أحد الأفعال أم كان شكه في الشروط،أم كان الشك في عدد الركعات.
مثلاً من كان كثير الشك في أنه صلى أم لم يصل فعليه أن يعتبر نفسه قد صلى،وكذلك من كان كثير الشك في أنه توضأ قبل الصلاة أم لا،يرتب أنه قد توضأ،وكذا من كان كثير الشك في أنه ركع مرة أم مرتين،فعليه أن يرتب أنه قد ركع مرة واحدة،ومن كان كثير الشك بـين الركعات فوظيفته أن يبني على الأكثر،إلا إذا كان البناء على الأكثر مفسداً كما لو استلزم البناء على الأكثر البناء على الخمس مثلاً لكون شكه بين الأربع والخمس،والبناء على الأكثر يعني البناء على الخامسة وهذا مبطل للصلاة،فهنا يبني على الأقل الذي تكون الصلاة به صحيحة.
ومتى صدق على الشخص أنه كثير الشك فلا يجوز له أن يعتني بشكه،فلو شك في أنه ركع أو لا،لم يجز له الركوع،فلو ركع بطلت صلاته.
هذا ولو شك الشخص في حصول كثرة الشك له،بنى على عدم حصولها،أما لو كان كثير الشك وشك في ارتفاعها عنه بنى على بقائها.

الشك في الأفعال:
الشك الذي يصيب المكلف على نحوين:
1-أن يكون الشك في أفعال الصلاة وشروطها.
2-أن يكون الشك في عدد ركعات الصلاة.
ولكل من هذين القسمين حكمه الخاص به.
هذا ويذكر الفقهاء عادة حكم كل شك من الشك في أفعال الصلاة وشروطها في محله،فليطلب من هناك،نعم سوف نشير هنا إلى بيان القاعدة العامة التي تكون مرجعاً عند حصول أحد الشكوك في تلك الموارد فنقول:
كلما شك المصلي في أنه أدى واجباً من واجبات الصلاة،بنى على كونه لم يؤده،نعم يستثنى من ذلك بعض الحالات:
1-إذا شك في إتيانه بجزء من أجزاء الصلاة،بعدما تجاوز محله الذي حدد له كما هو مقتضى الترتيب اللازم في الصلاة،بحيث دخل في جزء بعده حتى لو كان ذلك الجزء مستحباً،فإنه يمضي ولا يعتني بشكه،مثلاً لو شك في تكبيرة الإحرام وهو يقرأ الفاتحة فإنه يمضي ولا يعيـر لشكه اهتماماً،وكذا لو شك في القراءة وقد ركع،أو كان في القنوت،أو كان أثناء هويه للركوع وإن لم يصل لمستوى الركوع فإنه لا يعتني بشكه.
نعم بعض العلماء يشترطون في تحقق التجاوز أن يكون الجزء الذي دخل فيه واجباً،ولهذا لا يكفي دخوله في القنوت لو شك في القراءة بل هو بعدُ لم يتجاوز فعليه أن يتدارك.
وهذا الذي ذكرناه من عدم الاعتناء بالشك بعد تجاوز المحل هو الذي يسمى عند الفقهاء بقاعدة التجاوز.
أما لو كان الشك في جزء قبل أن يتجاوز محله الذي حدد له فإنه يجب عليه أن يعتني بشكه فعليه أن يأتي بالوظيفة المحددة له حينئذٍ،وهذا ما يسميه الفقهاء بقاعدة الشك في المحل،فمن شك في القراءة قبل أن يهوي للركوع أو قبل أن يشرع في القنوت،فإن عليه أن يأتي بالقراءة معتبراً نفسه أنه لم يقرأ،وهكذا في كافة الموارد.
2-إذا شك في أن الجزء الذي أتى به صحيح أم فاسد،فليس شكه حينئذٍ في وقوعه ووجوده،بل كان شكه بعدما أدى هذا الفعل وفرغ منه،فالحكم في هذه الحالة هو الصحة على أي حال،سواء كان حين الشك قد تجاوز المحل الذي حدد لذلك الجزء،ودخل في الجزء الذي يليه،أم أنه لم يتجاوز محله المحدد له،كما لو كان لم يدخل فيما بعده،مثلاً من كبر تكبيرة الإحرام،ثم شك في صحة التكبيرة،بنى على أن التكبيرة صحيحة،حتى لو لم يقرأ الفاتحة بعد،وكذلك من شك في صحة القراءة بعدما فرغ منها ولم يركع بعد،فإنه يبني على صحة القراءة.
وهذا الحكم بعدم الاعتناء بالشك في صحة ما وقع بعد الفراغ منه،هو الذي يسميه الفقهاء بقاعدة الفراغ.
3-إذا بدأ الصلاة وشروطها متوفرة،ثم شك في أن هذه الشروط،هل استمرت مع صلاته إلى نهايتها،أو أنه قد اختل شيء منها في أثناء الصلاة،فحينئذٍ يمضي ولا يعتني بشكه،مثال ذلك:من بدأ صلاته مستقبلاً القبلة،ثم شك في أثناء الصلاة في أنه هل انحرف عنها في بعض الأجزاء السابقة أو لا؟….مضى في صلاته ولم يعتني بشكه.
وكذا لو أن امرأة بدأت صلاتها وهي ساترة لشعرها ثم شكت في أنه هل انكشف شعرها في الأثناء أو لا؟…فالحكم هنا أيضاً هو المضي وعدم الاعتناء بهكذا شك.
ونذكر مثالاً ثالثاً:إذا شك المصلي في وقوع مبطل من المبطلات،أو شك في حصول زيادة منه مبطلة للصلاة،فإنه لا يعتني بشكه.
وذلك لأن المورد من موارد عدم الاعتناء إذ الأصل هو بقاء الحالة السابقة.
هذا وقد يسأل سائل فيقول:
في المورد الذي يكون الحكم هو المضي وعدم الاعتناء بالشك،وقد طبق المصلي ذلك،ثم انكشف له أنه لم يأتِ بالجزء الذي شك في إتيانه به،فهنا ما هو الحكم؟…
ونجيب:
إذا كان بإمكانه أن يتدارك الجزء الذي تركه فعليه أن يرجع ويتدارك،شرط أن لا يلزم من التدارك زيادة في الصلاة تؤدي إلى بطلانها.
أما إذا لم يكن بإمكانه أن يتدارك،فعندها لابد أن ننظر أن الجزء المتروك هل هو ركن تبطل الصلاة بتـركه،فعندها تكون الصلاة باطلة،وأما لو لم يكن ركناً فعندها تصح صلاته.

الشك في عدد ركعات الصلاة:
إذا وقع الشك في الركعات بعد الفراغ من الصلاة فلا أثر له،بمعنى أنه لا يعتني به،أما لو كان الشك في أثناء الصلاة فهنا عدة أقسام:
1-ما يكون مبطلاً للصلاة.
2- ما لا يكون مبطلاً للصلاة،لكنه بحاجة إلى علاج شرعاً.
3-ما لا يكون مبطلاً للصلاة،كما أنه لا يحتاج إلى علاج شرعاً.

1-الشك الذي لا أثر له:
وهو الشك الذي لا يبطل الصلاة،ولا تحتاج الصلاة معه في صحتها إلى معالجة بمثل صلاة الإحتياط،وهو صور:
الأولى:إذا وجد المصلي نفسه وهو يتشهد،أو وجد نفسه قد أكمل التشهد،لكنه يشك في أنه هل فرغ من الركعة الثانية فهذا هو التشهد المطلوب منه في مثل هذا الموضع وهو التشهد الأول،أو أنه لم يصل إلى الآن إلى الركعة الثانية بل فرغ من خصوص الركعة الأولى،وهذا التشهد قد وقع منه سهواً.
ففي هذه الحالة يبني المصلي على أنه قد صلى ركعتين،وأن هذا التشهد هو التشهد المطلوب منه،فيقوم لأداء الركعة الثالثة إذا كانت صلاته ثلاثية أو رباعية،ولا شيء عليه.
أما إذا كانت صلاته ثنائية بمعنى أنها ركعتين فقط،فعليه أن يكمل صلاته بأن يكمل تشهده ثم يسلم لتصح صلاته.
الثانية:أن يكون المكلف يصلي صلاة رباعية فيجد نفسه يتشهد،أو يجد نفسه قد أكمل التشهد،وهو على يقين بأنه قد تجاوز الركعة الثانية إلى ما بعدها من الركعات،لكنه شك في أنه هل فرغ من الركعة الرابعة فيكون هذا التشهد هو التشهد الثاني وهو المطلوب منه في مثل هذا الموضع،أو أنه لا زال في الركعة الثالثة،وقد تشهد في غير محل التشهد سهواً،ففي مثل هذه الصورة عليه أن يبني على أنه في الرابعة،ثم يكمل صلاته على هذا الأساس ولا شيء عليه.
الثالثة:أن يكون المكلف يصلي صلاة ثلاثية،ثم يجد نفسه مشغولاً بالتسليم ويحصل له الشك في أنه هل فرغ من الركعة الثالثة،وهذا هو التسليم المطلوب منه في مثل هذا الموضع،أو أنه لا يزال في الركعة الثانية،وقد وقع منه هذا السلام في غير محله سهواً،ففي مثل هذه الحالة يبني على أنه قد أتى بالثالثة،ثم يكمل صلاته ولا شيء عليه.

الشك الذي له علاج:
وهو عبارة عن صور الشك التسع المعروفة التي لا تبطل الصلاة بها إذا تمت المعالجة لها بالنحو المطلوب شرعاً،وقد وقع الشك في الصلاة الرباعية،وقبل بيان هذه الصور التسع،لا بأس بالإشارة لشيء وهو:
إذا أصاب المصلي الشك فالأحوط له استحباباً أن يتريث وينظر لعله يرجح أحد الطرفين على الآخر،فإن لم يحصل له ذلك حتى بعد التريث، واستقر الشك لديه،فوظيفته حينئذٍ هي العمل بإحدى هذه الصور التسع التي سنذكرها ولا يجوز له قطع الصلاة،لكن بعض العلماء خالف فذكر أنه يجوز له حينئذٍ أن يقطع الصلاة،ويأتي بها من البداية من جديد،ولا يجب عليه العمل بصور الشك،نعم الأحوط وجوباً له قبل أن يستأنف أن يأتي بأحد مبطلات الصلاة.

وعلى أي حال الصور التسع هي:
الأولى:أن يتم المصلي السجدة الثانية،إما بأن يرفع رأسه منها أو يكمل الذكر حتى لو لم يرفع رأسه منها،ثم حصل له الشك في أن هذه الركعة التي قد فرغ منها الآن،هل هي الركعة الثانية،أو أنها الركعة الثالثة،فهو هنا متيقن من الثانية ولا ريب عنده فيها،لكنه يشك في الثالثة فهي محل الريب عنده،فهنا يبني على أنها ثالثة،ثم يأتي بالرابعة،ويتشهد ويسلم،ثم يأتي بصلاة الإحتياط،وهي في هذه الصورة ركعة واحدة من قيام على الأحوط وجوباً،لمن كان قادراً على القيام،أو يأتي بركعة واحدة من جلوس بدلاً عنها إذا كان عاجزاً عن القيام وكانت وظيفته الصلاة جالساً.
الثانية:أن يشك في أنه هل صلى ثلاث ركعات أو صلى أربع ركعات،ففي هذه الحالة يبني على أنه صلى أربع ركعات،سواء كان الشك قد وقع منه في حال القيام أم كان الشك قد وقع حال الركوع أم كان وقوعه حال السجود،أم بعد رفع الرأس من السجود،ثم عليه أن يتم ما بقي عليه من الركعة الرابعة ويتشهد ويسلم.
ويبقى عليه أن يأتي بصلاة الإحتياط فإذا كان يصلي من قيام وهي وظيفته فهو مخير بين الإتيان بركعة من قيام،أو ركعتين من جلوس،والأفضل له أن يختار الركعتين من جلوس.
أما لو كانت وظيفته الصلاة من جلوس لكونه عاجزاً عن القيام فعليه أن يأتي بركعة واحدة من جلوس.
نعم لو كان شكه في هذه الصورة لكن حصل له الشك أثناء التشهد،ففي هذه الحالة يتم صلاته ولا شيء عليه لكونه سيكون من موارد الصورة الثانية فيما تقدم من الشك الذي تصح معه الصلاة دون علاج.
الثالثة:أن يحصل له الشك بين الاثنتين والأربع بعدما أكمل السجدتين،إما بالرفع من الثانية،أو بإكمال الذكر فيها،فعندها يبني على الأربع ويتم الصلاة ثم يأتي بركعتين من قيام،هذا إذا كان المصلي يصلي من قيام،أما لو كان المصلي يصلي من جلوس فعليه أن يأتي بركعتين من جلوس.
الرابعة:أن يكون الشك عنده بـين الركعتين والثلاث والأربع بعدما أكمل السجدتين،إما برفعه من السجدة الثانية،وإما بإكمال الذكر،فيبني على الأربع ويتم صلاته،ثم يأتي أولاً بركعتين من قيام ثم بركعتين من جلوس.
والأقوى أن يأتي بالركعتين من قيام أولاً ثم يأتي بالركعتين جلوس بعدها.
هذا بناء على أنه يصلي من قيام،أما لو كان يصلي من جلوس فعليه أن يصلي أولاً ركعتين من جلوس ،ثم ركعة أخرى من جلوس أيضاً.
الخامسة:أن يكون الشك بين الأربع والخمس بعدما أكمل السجدتين بأن رفع من السجدة الثانية،أو أكمل الذكر منها،فعندها يبني على الأربع ويتم صلاته وعليه أن يسجد سجدتين السهو.
وغير بعيد أن يجري هذا الحكم في كل مورد يكون الطرف الأقل هو الأربع كما إذا شك بين الأربع والست مثلاً فإنه يبني على الأربع ثم يسجد سجدتين السهو.
السادسة:أن يكون الشك بين الأربع والخمس وهو قائم،فعليه أن يهوي جالساً،وبذلك يرجع شكه إلى الشك بين الثلاث والأربع،لأنه بجلوسه هدم الركعة التي كان فيها وقطعها،وهذا يعني أنها لو كانت هي الرابعة فقد بقي معه ثلاث ركعات،أما لو كانت هي الركعة الخامسة فقد بقي معه أربع ركعات،فهو الآن بين الثلاث والأربع،فيبني على الأربع،ثم يتم صلاته ويأتي بركعة قائماً أو بركعتين جالساً،كما تقدم بيان ذلك في الصورة الثانية.
السابعة:أن يشك بين الثلاث والخمس وهو قائم،فيجلس ويرجع شكه إلى الشك بين الاثنتين والأربع،فيبني على الأربع ويتم صلاته،ويأتي بركعتين من قيام كما تقدم تفصيل ذلك في الصورة الثالثة.
الثامنة:أن يحصل له الشك بين الثلاث والأربع والخمس حال القيام،فيجلس ويرجع شكه إلى الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع،فيبني على الأربع ويتم الصلاة ويأتي أولاً بركعتين من قيام ثم بركعتين من جلوس،كما تقدم توضيح ذلك في الصورة الرابعة.
التاسعة:أن يكون الشك بين الخمس والست وهو قائم فيجلس ويرجع شكه إلى الشك بين الأربع والخمس ويتم صلاته،ثم يسجد سجدتي السهو كما تقدم توضيح ذلك في الصورة الخامسة.
ثم إنه يستحب له في هذه الصور الأربع الأخيرة كما هو مقتضى الإحتياط الإستحبابي أن يسجد للسهو للقيام الزائد الذي هدمه في كل مورد منها.
هذا ويستثنى من هذه الصور التسع حالات تصح فيها الصلاة دون أن نحتاج فيها إلى علاج،مع أن الشك من نوع هذه الصور التسع،وهذه الحالات هي:
1-إذا حصل للشاك ترجيح معين لأحد الاحتمالات،وهو الذي يعبر عنه بالظن،فعليه أن يعتمد على ظنه،مثلاً لو غلب ظنه على أن هذه الركعة التي هو فيها هي الركعة الثالثة مثلاً عمل بظنه،تماماً كما يعمل بعلمه في عدد الركعات ولا شيء عليه فلا يحتاج إلى علاج.
2-إذا كان المكلف مفرطاً في الشك،بحيث خرج عن الحالة الاعتيادية على نحو يصدق عليه عرفاً أنه كثير الشك،كما إذا كان يشك عادة في كل ثلاث صلوات متتالية مرة واحدة على الأقل،أو في كل ست صلوات متتالية مرتين،وهكذا فعليه أن يلغي شكه ويفترض أنه قد أتى بما شك فيه من ركعات،بمعنى أنه يبني على الأكثر،فإذا شك في أنه هل أتى بركعتين أو ثلاث بنى على أنه أتى بثلاث،وإذا شك بين الثلاث والأربع بنى على أنه أتى بالأربع،ويتم صلاته في مثل هاتين الحالتين أو غيرهما من حالات الشك،ولا شيء عليه فلا يحتاج إلى علاج.
نعم إذا كان الأكثر مبطلاً للصلاة فعليه حينئذٍ أن يبني على الأقل،ويتم صلاته دون حاجة إلى علاج،وكذا لو كان شكه بين الأربع والخمس بنى على الأربع لأن البناء على الخمس يفسد الصلاة.
3-إذا كان الشاك في عدد الركعات إماما أو كان مأموماً،وكان المأموم أو الإمام حافظاً وضابطاً للعدد،رجع إليه واعتمد على حفظه،سواء كان حفظه على مستوى اليقين أو الظن.
4-إذا كان المصلي يؤدي صلاة النافلة،وحصل له شك في عدد ركعاتها،فإن له أن يبني على أقل عدد محتمل ويكمل صلاته،ولا شيء عليه،وله أن يبني على أكبر عدد محتمل إلا إذا كان مبطلاً لصلاته،ولا شيء عليه.

الشك الذي يبطل الصلاة مطلقاً:
وهو الشك الذي ليس له علاج،فتبطل الصلاة به عند حدوثه،ويمكننا أن نـختصر هذا القسم فنقول:
إن كل حالة ليست من الحالات السابقة التي ذكرناها،بعلاج أو بدون علاج،فهي من هذا النوع الذي يتسبب في بطلان الصلاة،وتوضيح ذلك كالتالي:
1-أن لا يكون شك المصلي منحصراً في عدد معين من أعداد الركعات،بحيث لا يدري هو في أية ركعة،من دون أن يخطر على ذهنه عدد معين متيقن يتحرك منه لمعالجة الشك،وليس عليه هنا إلا قطع الصلاة واستئنافها من جديد.
2-أن يكون شكه في غير الصلاة الرباعية من الصلوات اليومية،كأن يكون شكه بين الاثنتين والثلاث في صلاة المغرب،أو بين الأولى والثانية في صلاة الصبح،وتبطل الصلاة بهذا الشك في الموردين.
3-أن يكون المصلي قد تردد في عدد الركعات في صلاة رباعية دون أن يتأكد ويتثبت من وجود الركعة الثانية كاملة التي تكمل بإكمال الذكر من السجدة الثانية من الركعة الثانية،كما إذا شك بعد رفع الرأس من السجدة الثانية في أن هذه الركعة التي فرغ منها الآن هل هي الأولى أو هي الثانية،فإن صلاته تبطل حينئذٍ،لأن وجود الركعة الثانية كاملة غير مؤكد.
وكذلك لو كان الشك عنده بعدما رفع رأسه من السجدة الأولى،أو حصل له الشك قبل ذلك في أن هذه الركعة التي يؤديها هل هي الثانية أو أنها الثالثة،فإن صلاته حينئذٍ تبطل،لأن وجود الركعة الثانية كاملة غير مؤكد،وهذا معنى اشتراط حدوث الشك في بعض الصور بعد إتمام ذكر السجدة الثانية.
نعم يمكن التدارك في هذه الحالات التي ذكرناها وبالتالي يمكن تصحيح الصلاة ضمن الإستثناءات التالية:
الأول:أن يكون الشك قد حصل للمصلي أثناء التشهد أو بعده،بنحو يشك أن تشهده هذا هل وقع منه خطأ في الركعة الأولى،وأنه الآن في الركعة الأولى،أو أنه في الركعة الثانية والتشهد في محله،فإنه يجعل التشهد قرينة على أنه قد أتم الركعة الثانية،ويرتب على ذلك الآثار المناسبة.
الثاني:أن يتحول شكه إلى ظن،فيحصل له الترجيح لعدد على غيره،فضلاً عما لو تحول شكه إلى يقين،فإنه يعمل على مقتضى ظنه أو يقينه في جميع الحالات.
3-أن يكون الشاك كثير الشك،فإنه لا يعتني بشكه حتى في الحالات التي يكون الشك فيها من الإنسان العادي مبطلاً.
4-أن يكون الشك قد حصل لشخص في صلاة الجماعة سواء كان إماماً،أم كان مأموماً،فإنه يرجع حينئذٍ للآخر الحافظ وينتفي الشك.
5-أن يكون الشك في صلاة النافلة،فإنها تصح به الصلاة كما تقدم بيان ذلك.
الشك في صلاة الجماعة:
إذا حصل الشك في صلاة الجماعة،بأن شك الإمام في عدد الركعات فإنه يرجع في شكه إلى المأموم الحافظ،عادلاً كان المأموم أم كان فاسقاً،ذكراً كان أم أنثى،وكذلك لو شك المأموم فإنه يرجع إلى الإمام الحافظ.
هذا والظان منهما بمنـزلة الحافظ فيكفي كونه ظاناً في رجوع الشاك إليه.
وإذا اختلف حال المأمومين،فكان بعضهم حافظاً وبعضهم شاكاً،رجع الإمام للحافظ منهم،لكن الشاك لا يمكنه الرجوع إلى الإمام،بل عليه أن يعمل بموجب شكه،نعم لو أحدث له رجوع الإمام إلى الحافظ من المأمومين الظن مثلاً أو اليقين،جاز له الرجوع إلى الشاك من المأمومين.
هذا وكما يرجع المأموم والإمام كل منهما للحافظ عند الشك في عدد الركعات،كذلك يرجع كل منهما للحافظ حين الشك في الأفعال،فلو شك المأموم الذي لم يتخلف عن متابعة الإمام بأنه سجد مرة أو مرتين،جاز له الرجوع إلى الإمام الحافظ في ذلك،أما إذا احتمل تخلفه عن الإمام في السجود فإنه لا يجوز له الرجوع فيها إلى الإمام،بل يبني على الأقل ويأتي بسجدة ثانية.

صلاة الإحتياط:
وهي الصلاة التي يجب الإتيان بها من أجل معالجة الشك الذي أصاب المصلي أثناء صلاته،بالتفصيل الذي ذكرناه فيما سبق.
هذا ويشترط في صلاة الإحتياط جميع ما يشترط في الصلاة الواجبة من الشرائط،كالطهارة والاستقبال والستر وغير ذلك،فإذا أحرز ذلك كله نوى ثم كبر تكبيرة الإحرام،ويقرأ الفاتحة من دون أن يأتي بعدها بسورة،ويخفت أثناء القراءة حتى في البسملة على الأحوط الأولى،ثم يركع ويسجد السجدتين،ويتشهد ويسلم إذا كانت صلاة الإحتياط ركعة واحدة،أما لو كانت ركعتين،يكون التشهد والسلام بعد إتمامه الركعة الثانية.
ولا تتضمن هذه الصلاة لا أذان ولا إقامة ولا تحتوي على قنوت أيضاً.
ولابد من الإتيان بها بعد الصلاة مباشرة،وقبل فعل أي منافي من منافيات الصلاة،فلو فعل المنافي اضطراراً أو اختياراً أعاد الصلاة دون حاجة إلى الإتيان بصلاة الإحتياط.
ولو حصل للمكلف بعد الصلاة وقبل أن يأتي بصلاة الإحتياط يقين بتمامية صلاته التي صلاها فلا يحتاج إلى أن يأتي بصلاة الإحتياط،بل حتى لو حصل له ذلك وهو في أثناء صلاة الإحتياط جاز له أن يقطعها،كما يجوز له أن يتمها بنية النافلة ركعتين.
هذا وقد يحصل للمصلي بعدما يفرغ من الصلاة يقين بأن صلاته التي صلاها ناقصة ركعة أو أكثر فحكمه يتضح من خلال التالي:
1-أن يتبين له النقص قبل أن يبدأ في صلاة الإحتياط،فعليه في هذه الحالة أن يغض الطرف عما وقع منه من تشهد وسلام،ويقوم لإكمال صلاته وتدارك النقص بشكل طبيعي.
2-أن يتبين له النقص في أثناء أدائه لصلاة الإحتياط فهنا صورتان:
الأولى:أن يكون ذلك قبل أن يدخل في ركوع صلاة الإحتياط،فإن كانت صلاة الإحتياط من قيام استمر في صلاته بقصد إكمال الناقص من صلاته الأصلية وهي صلاة الفريضة،لا بقصد أن هذه الصلاة التي يصليها هي صلاة الإحتياط،ويتمها بمقدار الناقص منها.
أما لو كانت صلاة الإحتياط من جلوس فإن عليه إلغاء ما أتى به وينهض قائماً ليتدارك الناقص وكأنه لم يتشهد ولم يسلم،من دون تكبيرة الإحرام.
الثانية:أن يكون ذلك بعد الدخول في الركوع،فإن عليه قطع صلاة الإحتياط التي هو فيها وإعادة صلاة الفريضة التي وقع له الشك فيها من جديد.
3-أن يتضح له الأمر بعد فراغه من صلاة الإحتياط،فإن كان الذي أتى به بمقدار النقص الذي أصابه صح ما أتى به وأجزأ عن الناقص،أما لو كان المأتي به أقل من المقدار الناقص من صلاة الفريضة،مثلاً لو شك بين الثلاث والأربع،فأتى بركعة الإحتياط قائماً،ثم تبين له قبل الإتيان بالمنافي أن الناقص من صلاته ركعتان،فإن عليه إتمام الصلاة بركعة أخرى وسجود السهو مرتين لزيادة السلام في أصل الصلاة ولزيادته في صلاة الإحتياط.
نعم اختار بعض العلماء أنه لا تكفي صلاة الإحتياط حتى مع تتميم الناقص متصلاً بالصلاة،فلابد من إعادة الصلاة
4-أن يتبين له بعد الفراغ من صلاة الإحتياط زيادتها عن الناقص من الفريضة،وحكمه لزوم إعادة صلاة الفريضة من جديد وعدم الاكتفاء بصلاة الإحتياط التي أداها،مثلاً أن يكون قد شك بين الاثنتين والأربع،وبعدما أتى بركعتين احتياطاً تبين له أن الناقص من صلاته ركعة واحدة،وأن ما أتى به احتياطاً أزيد مما نقص من الفريضة.
ثم إن جميع ما يجري في الفريضة من السهو في الزيادة والنقصان ومن أحكام الشك في الأفعال يجري في صلاة الإحتياط أيضاً،وأما الشك في عدد ركعاتها فليس مبطلاً بل يلزم البناء على الأكثر إلا أن يكون البناء على الأكثر مفسداً فيبني على الأقل،وتصح دون حاجة إلى صلاة احتياط ثانية.
ولو حصل له نسيان ركن من أركان صلاة الإحتياط ولم يتمكن من تداركه،أو زاد فيها ركناً أو ركعة بطلت صلاة الإحتياط وعليه حينئذٍ إعادة صلاة الفريضة.
ولو شك في إتيانه بصلاة الإحتياط بعد وجوبها عليه يبني على عدم إتيانه بها،إلا إذا كان شكه بعد خروج الوقت،أو بعد ما صدر منه المنافي للصلاة عمداً أو سهواً ففي هذه الحالة لا يبالي بشكه.